الطاغية ، والآخر من بيئة بني إسرائيل المنحرفة حيث مريم بنت عمران.
(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ)
التي آمنت بنبيّ الله ، وتحدّت إغراءات السلطة وضغوط الطاغية زوجها في سبيل الله ، رغم تظافر العوامل المادية التي يعتبرها البعض من الحتميات ، حيث كان فرعون زوجها وكانت في ذات الوقت من رعاياه. كانت تنتمي إلى بني إسرائيل الطبقة المستضعفة والمعدمة بينما كان فرعون قائد المستكبرين والمترفين ، وكانت مصالحها المادية مؤمّنة عند فرعون ، فما الذي جعلها تتحداه وتواجه جبروته وسلطانه؟! إنّه الإيمان الذي جعلها تتحدى كل الظروف لتكون مثلا رفيعا يقتدي به المؤمنون عبر التاريخ ، وجبلا لا تتأثر بإغراء ولا بإرهاب أو تضليل.
(إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ)
وهنا إشارتان لطيفتان نستوحيهما من الآية :
الأولى : أنّ أعظم سبب للانحراف كانت تواجهه آسية هو غرور السلطان والملك ، فلقد كانت زوجة لأعظم الملوك الذين عرفهم تاريخ البشرية ، إلّا أنها انتصرت على قمة تحدي الدنيا للإنسان بالرغبة في نعيم الآخرة الذي يتصاغر أمامه كل نعيم ، ولقد جاء في الأخبار أنّها كانت ترى قصورها في الجنة وهي موتّدة تصبّ عليها ألوان التعذيب.
الثانية : أنّ هذه المرأة الشريفة لم يحالفها الحظ في الزوج الذي ترغب إليه أمثالها من المؤمنات فطلبت من الله أن تصير إلى نعم بيت الزوجية ، وكان طلب البيت بمثابة طلب من فيه ، وماذا يطيب من البيت للمرأة من دون زوج كريم؟ وإذا كان دعاؤها بهذا المعنى فلما ذا لم يصرّح به في القرآن؟ لعلّ ذلك لأنّ الآداب الاجتماعية عند العرب (وربما عند غيرهم أيضا) ما كانت تستسيغ للمرأة العفيفة