منطلق الأجيال الصالحة ، وموضع تجلّي روح الله.
(فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا)
وبرزت عظمة مريم ـ عليها السلام ـ في تصديقها بكلمات الله وكتبه ، ولعلّ كلمات الله هي أنبياؤه كعيسى بن مريم ، لأنّ الأنبياء لسانه في خلقه وينطقون بوحيه وكلماته ، أو هي البصائر الإلهية البارزة التي من الصعب التصديق بها ، أمّا الكتب فهي الرسالات. ولقد جعلت مريم نفسها مصداقا للحق الذي جاء به الأنبياء وانطوت عليه كتب الله.
(وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)
والقانتون هم المثابرون بالدعاء إلى الله المسلّمون له ممّا يؤكّد روحانيتها وتبتّلها الدائم. ونستوحي من الآية تأكيدا للروايات التي قالت بأنّها تكون من زوجات رسولنا الأكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ في الآخرة حيث وعده الله فيما وعده بالزوجات القانتات التي هي منهن.
وقد يكون من معاني التصديق بكلمات الله وقنوتها أنّها بلغت مرحلة العصمة ، حيث أنّ الإنسان بين أمرين : بين الاستجابة لنداء الباطل وكلماته ، أو التصديق بالحق واتباع ندائه ومناديه ، وإذا كان الإنسان جادّا في اتباع الحق تمايز في داخله نداء الشيطان المنبعث من شهواته ووساوس نفسه الأمّارة بالسوء وهمزات شيطانه الرجيم تمايز عن نداء الرحمن المنبعث من عقله ووجدان نفسه اللوّامة وإلهامات ربه عبر ملائكته الكرام.
وهذا أحد وسائل الوحي الذي هو نقر في القلب ، والذي من أمثلته ما ألهمت أمّ موسى ـ عليها السلام ـ أن تلقي بولدها في اليمّ.