ربّهم بالغيب ، أمّا الكافرون والمشركون فهم في غفلة عنه لأنهم محجوبون بالجهل والشرك عنه ، وذلك لأنّهم ماديون لا يرون إلّا الأمور الظاهرة ، ذلك لأنّ العقل هو الذي يهدي الإنسان إلى الباطن من خلال الظاهر ، وإلى الغيب عبر الشهود ، وهو معطّل لديهم ، كما أنّهم لا يسمعون الموعظة من العقلاء ، هكذا تراهم يعترفون في الآخرة ، وإليهم يوجّه القرآن هذا التحذير المبطّن :
(فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)
حينما تخسف بهم الأرض ويحلّ عليهم العذاب في الدنيا ، أو في الآخرة حيث العذاب المقيم والأليم ، هنالك يعرفون حقيقة النذير.
[١٨] ولكنّ القرآن لا يكتفي بالمستقبل الغائب دليلا على حقائقه بل ويستدل عليها بالشواهد الظاهرة ، لكي لا يبقى لبشر ما يبرّر له الكفر والزيغ ، ولتكون له الحجة البالغة ، فما هو الدليل على عذاب الله وقدرته على صنع ما يشاء؟
لندرس التاريخ البشري فهو خير معلّم للإنسان ، حيث يهديه إلى سنن الله وآيات معرفته ، ونحن حينما نتتبع حوادثه فسنجد الكثير من الأمم والمجتمعات التي ذهبت ضحية كفرها وفسوقها عن أمر الله ، فذاقت ألوانا من العذاب لا يستوعبها فكر بشر لهولها وفظاعتها.
(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)
فأين قرى لوط المؤتفكة؟ وأين فرعون وقومه؟ إنّك لن تجد غير إجابة واحدة : إنّهم دحروا وبادت حضاراتهم لأنّهم لم يخشوا ربهم ويتبعوا رسالاته ورسله.
(فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ)