السليم ، وإنّ الكافرين لا يمشون في الحياة بكامل حواسهم ووعيهم ، وليس أدل على ذلك من أنّهم معطّلة أسماعهم عن تلقّى المواعظ ، وعقولهم عن وعي الحق واستيعابه كما وصفوا أنفسهم وكما وصفهم ربهم في قوله : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها) (١) ويؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى في الآية اللاحقة مفسرا معنى المكب :
(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)
قيل : إنكم لا تشكرون إلّا قليلا ، وقيل : إنّ المعنى لا يشكرون منكم إلّا قليل ، وكلا المعنيين صحيح. وإنّ للشكر بالنعم جانبين :
الأول : أن لا يستخدم الإنسان نعم الله عليه في معصيته ، فيسمع باذنه ما حرّمه عليه كالغيبة والكذب والغناء ، أو ينظر بعينه ما هو محضور كأعراض الناس وعوراتهم ، أو يجعل فؤاده عشّا للشيطان فيملؤه بالظنون والنوايا السيئة والأفكار الضالة .. وهكذا.
قال الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ : «شكر النعمة اجتناب المحارم» (٢) ، وقال الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «شكر كل نعمة الورع عمّا حرّم الله» (٣).
الثاني : أن يسخر ما أنعم الله به عليه في طاعته وإعلاء كلمته ، بأن يجعله وجوده وكيانه في طاعته وخدمة الحق واهله ، ومحاربة الباطل وأعداء الله ، فيستمع بإذنه علوم الحق ومواعظ الصدق ، ويوظف بصره في النظر إلى آيات ربه وكتابه ،
__________________
(١) الأعراف ١٧٩.
(٢) موسوعة بحار الأنوار / ج ٧١ ص ٤٠.
(٣) المصدر ص ٤٢.