ويصيّر فؤاده وسيلة لمعرفة الحق والتفكر فيما ينفع به رسالته ونفسه والناس ، وهكذا سائر النعم والهبات الإلهية.
وإذا فعل الإنسان ذلك يكون شاكرا ، ولا يتم الشكر إلّا بمعرفة المنعم والتوجه إليه به ، فإنّ الإنسان عرضة للشرك في الشكر أيضا ، لذلك جاءت بداية الآية توجهنا إلى المنعم وأنه أهل الشكر ، وعلى هذه الحقيقة أكدت النصوص المستفيضة عن أئمة الهدى ، قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين ـ عليه السلام ـ : الحمد لله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده على ما أبلاهم من مننه المتتابعة ، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة ، لتصرّفوا في مننه فلم يحمدوه ، وتوسّعوا في رزقه لم يشكروه ، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حودود الإنسانية إلى حدّ البهيمة ، فكانوا كما وصف في كتابه : «إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً» (١) وقال الإمام الحسن العسكري ـ عليه السلام ـ : «لا يعرف النعمة إلّا الشاكر ، ولا يشكر النعمة إلّا العارف» (٢) وأوحى الله تعالى إلى موسى ـ عليه السلام ـ : «يا موسى اشكرني حق شكري ، فقال : يا ربّ كيف أشكرك حقّ شكرك وليس من شكر أشكر به إلّا وأنت أنعمت به علي؟! فقال يا موسى شكرتني حق شكري حين علمت أنّ ذلك مني». (٣)
[٢٤ ـ ٢٧] وعند التفكير في الآية (٢٣) والآية (٢٤) نجدهما تجيبان على أهمّ الأسئلة المصيرية التي تخطر على بال كلّ إنسان : من الذي أوجدني ووهبني ما أنا فيه من النعم؟ ومن الذي ذرأنا في الأرض؟ ثم ماذا بعد الدنيا ، وإلى أين تسير بنا الأقدار؟ هذه الأسئلة وأمثالها تؤكّد أنّ معرفة الخالق مسألة فطرية ملحّة عند كلّ إنسان ، وهي إن لم يجب عليها الإجابة السليمة فسوف يظل الإنسان حائرا لأنها
__________________
(١) الصحيفة السجادية الدعاء الأول.
(٢) موسوعة بحار الأنوار ج ٧٨ ص ٣٧٨.
(٣) المصدر ج ١٣ ص ٣٥١.