أسئلة مصيرية ترسم إجابة كلّ واحد عليها شخصيته (فكره وسلوكه وعلاقاته) كما تحدّد مستقبله.
وحيث أنّ القرآن متنزل من ربّ الإنسان الذي خلقه ويعلم ما توسوس به نفسه وذات صدره ، فإنّ آياته جاءت واقعية وشفاء لما في صدره ، وعلاجا لكلّ قضاياه ومسائله ، وإنّ هذه الآيات بحق تعبر عمّا في ضمير كلّ بشر وحاشا لله وهو الرحمن اللطيف بعباده أن يدعهم في حيرة من هذه الأسئلة الخطيرة فيضلون كفرا وشركا ، وهكذا قال ربنا سبحانه :
(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
وليست الصدفة أو الطبيعة أو القوى المزعومة من دونه سبحانه ، والذرأ هنا بمعنى الخلق والنشر ، فإنّه تعالى خلقنا في الأرض ونشرنا في أقطارها ، قال الله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً) (١) أي ممّا خلق وبث ، وقال : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) (٢) أي خلق ووزع ، وذرأ الحبوب في الأرض فرقها وبذرها. والحشر هو الجمع ، والسؤال : هل خلق الإنسان في الأرض ليعود إليها بعد الموت دون هدف ومسئولية؟ كلّا .. إنّما هي مرحلة في دورته الحياتية التي لا تنتهي ، فقبل أن يذرأ في الأرض في عالم الذر ، وبعد هذه الدنيا يبدأ رحلة إلى عالم البرزخ ثم عالم الحشر والجزاء حيث يلاقي مصيره الأبدي ، وما دامت بداية الإنسان من الله ونهايته إليه ومصيره بيده فما أحوجه أن يوظّف وجوده في هذه الأرض ونعم الله عليه من أجل حشر سعيد في الآخرة.
وما أعظم ذكر الآخرة والحشر في قلوب الصالحين ، وحسب ما يقول الإمام علي
__________________
(١) الانعام ١٣٦.
(٢) النحل ١٣.