ولا يخيب من توكل على الرحمن ، فإنّه سيكون حسبه ، يفيض عليه من بركاته ورحماته ، ويجيره من العذاب والهلاك. أمّا الكفّار والمشركون فقد ضلّوا ضلالا مبينا حينما كفروا بربهم وبالآخرة ، واعتقدوا بالأنداد المزعومين واعتمدوا عليهم ، وإذا كانوا يجهلون مدى ضلالتهم ، أو استطاعوا أن يخفوها عن الآخرين ، فإنّ الحقيقة ستظهر جلية في المستقبل ، وسيفتضحون أمام الناس عند الجزاء ، بالرغم من أنّهم يتهمون المؤمنين والقيادة الرسالية بالانحراف ويحاولون أن يقنعوا الرأي العام بذلك.
(فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)
[٣٠] ويختم السياق سورة الملك مثيرا الخشية من الله بما يؤكد أنّه وحده الذي بيده الملك وأنّه على كلّ شيء قدير وأنّه الرحمن ، ويحذّر بأنّه قادر على الذهاب بمائهم الذي ترتكز عليه الحياة ، فلا أحد حينئذ يقدر على أن يأتيهم بماء. أترى لو جعل الله الماء أجاجا من الأساس بحيث لا يصلح للشرب والزراعة ، أو لا يمكن تفكيك أجزائه وتحليته ، أو قرّب موقع الشمس حتى تبخّرت المياه جميعا ، هل استمرت الحياة عليها ، ومن أين كانوا يأتون بالماء؟
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً)
والغور : القعر والعمق من كل شيء ، وغار الماء : ذهب في أعماق الأرض واختفى فلا تصل إليه يد الناس. وإنّ وقع هذا الإنذار في الوسط الذي تنزلت فيه يومئذ (شبه الجزيرة العربية) حيث يعزّ الماء ، وفي تلك العهود حيث الإنسان لم يكتشف بعد وسائل التنقيب عن الماء وحفر الآبار العميقة ، لا شك أنّه كان عظيما ، ولا يزال ولن يزال كذلك عند أولي الألباب من المؤمنين الذين يعرفون ربهم وقدرته المطلقة ، فهم يخشونه دائما ويخافون سطواته ، ويدركون الإجابة على