قوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (١) ، وهناك تجاوز بالباطل والإثم ، ومنها : أنّ اعتداءهم ليس عرضا بل هو من طبيعتهم ومتجذّر في نفوسهم التي جبلت عليه ، فما هو إلّا مظهر يعكس ما انطوت عليه أنفسهم من الإثم العريض ، ومنها : أنّهم حين يعتدون يوغلون في الاعتداء بالمبالغة في آثامه.
وإنّه لثابت علميّا وعمليّا أنّ المعتدي لا يعتدي في الواقع الخارجي ويتجاوز الحدود حتى يكون قد تجاوز الحدود في داخل نفسه ، وأسقط اعتبار الحق والآخرين قبل ذلك في نفسه وتفكيره. فلاعتداء هؤلاء فلسفة تتأسس عليها حياتهم حيث أنّهم لا يعترفون بوجود حق يجب الالتزام به واحترامه وبوجود حدود وقوانين تفصل بين الناس.
٤ ـ وكما تتداعى صفات الخير في الصالحين تتداعى صفات الشر في المفسدين ، فهم يبدءون من الحلف ولكنّهم لا ينتهون عند الاعتداء والإثم بل يتسافلون بعد ذلك إلى صفات سيئة أخرى.
(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)
فما العتل وما الزنيم؟
ألف : العتل ، قالوا : إنّه شخص عظيم الجثة ، قبيح المنظر ، ناقص الخلقة.
ولعلّ ما ذهب إليه المفسرون كان بسببين : أحدهما : بالنظر إلى تأويل الآية في (الوليد بن المغيرة) واتخاذه مقياسا لصفاته المعنوية والمادية السيئة ، والآخر :
__________________
(١) البقرة / ١٩٤.