(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ)
يعني أنّ أصل صفات المنافقين والمترفين الذين نهى الرسول عن طاعتهم والتي ذكرها القرآن في الآيات السابقة (الحلف والمهانة والهمز والنميمة ومنع الخير والاعتداء والإثم والعتالة والزنامة) كلّها الافتتان بالدنيا (المال والبنين). إذن فطريق تكامل أخلاق الخير في شخصية الإنسان ، وبالتالي التسامي إلى قمة الفضيلة السامقة (أعني التوحيد) لا يكون إلّا بتجاوز فتنة الدنيا بأموالها وبنيها. وليس تجاوز الفتنة بنبذ المال والأتباع ، لأنّها حينما يحسن البشر التصرف فيهما يكونان خير معين له على الرقي في سلّم الكمال الأخلاقي والإيماني ، ففي الحديث الشريف عن النبي (ص): «نعم العون على تقوى الله الغنى» (١) ، وعن الإمام الصادق (ع): «نعم العون الدنيا على الآخرة» (٢) ، أو ليس العوز سبب التبعية ، والحاجة تؤدي إلى الذل؟
ونهتدي إلى فكرة أخرى هامة حينما نربط هذه الآية بنهي القيادة عن طاعة المترفين ، وهي : أنّ القائد قد ينخدع هو الآخر بما عندهم من حطام الدنيا (أموالا وأتباعا) فيطيعهم أو يداهنهم طمعا فيهما أو خشية منهما ، ويجب عليه أن يتجاوز هذه العقبة بالتوكل على ربه والرغبة فيما عنده.
[١٥] الثاني : نبذ رسالة الله وراء ظهورهم. وما هي رسالة الله؟ إنّها الحق والفضيلة ، وحيث رفضوها واتبعوا أهواءهم وشهواتهم فقد اختاروا الباطل على الحق ، والرذيلة على الفضيلة.
(إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)
__________________
(١) فروع الكافي / ج ٥ ـ ص ٧١.
(٢) المصدر / ص ٧٢.