السنة التي هلك فيها أبوهم حملا لم يكن حملته من قبل ذلك ، فراحوا الفتية إلى جنتهم بعد صلاة العصر ، فأشرفوا على ثمرة ورزق فاضل لم يعاينوا مثله في حياة أبيهم ، فلما نظروا إلى الفضل طغوا وبغوا ، وقال بعضهم لبعض : إنّ أبانا كان شيخا كبيرا قد ذهب عقله وخرف فهلّموا نتعاهد ونتعاقد فيما بيننا أن لا نعطي أحدا من فقراء المسلمين في عامنا هذا شيئا ، حتى نستغني وتكثر أموالنا ، ثم نستأنف الصنعة فيما يستقبل من السنين المقبلة ، فرضي بذلك منهم أربعة وسخط الخامس ، وهو الذي قال تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ).
فقال لهم أوسطهم : اتقوا الله وكونوا على منهاج أبيكم تسلموا وتغنموا ، فبطشوا به فضربوه ضربا مبرحا ، فلمّا أيقن الأخ أنّهم يريدون قتله دخل معهم في مشورتهم كارها لأمرهم ، غير طائع ، فراحوا إلى منازلهم ثم حلفوا بالله أن يصرموه إذا أصبحوا ولم يقولوا إن شاء الله ، فابتلاهم الله بذلك الذنب ، وحال بينهم وبين ذلك الرزق الذي كانوا أشرفوا عليه) (١).
ولعلّ في القصة إشارة إلى أنّه تعالى أجرى نفس السنّة على المترفين أو طالهم منه شيء من العذاب في الدنيا ، وفي رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر (ع) تأكيد لذلك ، قال : «إنّ أهل مكة ابتلوا بالجوع كما ابتلي أصحاب الجنة» (٢) ، وإذا لم يكن أهل مكة بأجمعهم فلا أقل مصاديق الآيات السابقة كالمغيرة وآخرين ممّن نزلت في شأنهم يومذاك. قال تعالى :
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ)
أي اختبرناهم بالثروة بمثل ما اختبرنا أصحاب المزرعة وما دامت السنن الإلهية في
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ ـ ص ٣٨١.
(٢) المصدر / ص ٣٨٢.