الحياة واحدة فيجب إذن أن يعتبر الإنسان بالآخرين سواء المعاصرين له أو الذين سبقوه ، وأن يعيش في الحياة يتّلمذ فإنّها مدرسة وأحداثها خير معلّم لمن أراد وألقى السمع وأعمل الفكر وهو شهيد ، وبهذه الهدفية يجب أن نطالع القصص ونقرأ التاريخ ، فهذه قصة أصحاب الجنة يعرضها الوحي لتكون أحداثها ودروسها موعظة وعبرة للإنسانية.
والقرآن في عرضه لهذه القصة الواقعية (١) لا يحدثنا عن الموقع الجغرافي للجنة هل كانت في اليمن أو في الحبشة ، ولا عن مساحتها ، ونوع الثمرة التي أقسم أصحابها على صرمها ، لأنّ هذه الأمور ليست بذات أهمية في منهج الوحي ، إنّما المهم المواقف والمواعظ والأحداث المعبّرة سواء فصّل العرض أو اختصر وأوجز.
(إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ)
أي أول الصباح ، وخلافا لعادة الفلّاحين الذين يصرمون بعد طلوع الشمس ، وذلك لكي لا يعلم المساكين بالأمر فيحضرون طلبا للمعونة ، ويظهر أنّهم تعاقدوا على ذلك ليلا. والصرم أصله القطع ، يقال : تصارم القوم إذا تقاطعوا وهجر بعضهم بعضا ، وسيف صارم يعني شديد القطع ، والرجل الأصرم الذي قطع طرف أذنيه ، وصرم النخل إذا قطع عروقها .. ولعل في الآية إشارة إلى نوع شجر الجنة بأنّه مما يصرم كالنخل والعنب وليس مما يحصد كالحنطة أو يجنى كالفاكهة. والقسم هو غاية العزم والإصرار. ولعلهم إنّما تحالفوا وتعاقدوا لكي لا ينفرد بعضهم بإعطاء شيء للفقراء أو إفشاء سر مؤامرتهم حيث يبدو أنّ بعضهم كان مخالفا لمثل هذه العملية وهو أوسطهم.
__________________
(١) أقول واقعية لأنّ بعض المفسرين والذين درسوا القصص القرآنية حاولوا تصويرها بأنّها قصص خيالية وهمية وضعها الله لتكون وسيلة لأفكار القرآن ، وليس في ذلك مقدار من الصحة.