(وَلا يَسْتَثْنُونَ)
وتنطوي هذه الآية على معنيين : أحدهما : الاستثناء بمعنى أخذ مشيئة الله والمتغيرات بعين الإعتبار ، فإنّه نهى سبحانه أن لا يعلّق أحد عزمه وقراره بمشيئته فقال : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (١) وهذه حقيقة علمية واقعية أنّ الإنسان العاقل حينما يخطط لأمر ما يجب أن يضع في فكره الاحتمالات الممكنة التي قد يواجهها في المستقبل ، ولقد أثبتت التجارب العلمية ما نعايشه يوميّا من احتمالات الخطأ ومخالفة ما نخططه عمّا يقع فعلا ، مما يكشف أمرين : الأول : جهلنا بكلّ الحقائق التي قد تقع ، والثاني : أنّ هناك إرادة فوق القوانين والأنظمة الواقعية يمكن أن تخرقها وتخرب الحسابات والخطط في أيّة لحظة بحيث لا يملك الإنسان إلّا الاستسلام لها ، أو يكون قد استعد للأمر سابقا ووضع الخطط المناسبة ، وتعرّفنا البصائر الإسلامية بتلك الإرادة أنّها مشيئة الله عزّ وجلّ .. يقول الإمام علي ـ عليه السلام ـ : «عرفت الله سبحانه بفسخ العزائم ، وحل العقود ، ونقض الهمم» (٢) ، وما أكثر البحوث الفلسفية التي تفتح هذه الآية آفاقها أمام المتدبر ، والتي خاض فيها المفسرون والفلاسفة.
الثاني : الاستثناء بمعنى الاقتطاع والعزل من الثمر للفقراء والمساكين. ولقد أغفل أصحاب الجنة قول «إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ» كما عقدوا العزم بالأيمان المغلّظة أن لا يعطوا ولا فقيرا واحدا شيئا مما يصرمون ، ولكن هل أفلحوا في أمرهم؟ كلّا ..
(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ)
__________________
(١) الكهف / ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) نهج البلاغة / حكمة ٢٥٠.