قبل حلول موعدهم الذي تعاقدوا على أن يهبّوا فيه للصرم (أول الصباح) ، وما يدريك لعلهم ناموا أول الليل طمعا في الجلوس مبكّرين. بلى. إنّ الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ما كان ليغفل عن تدبير خلقه وإجراء سننه في الحياة ، فقد أراد أن يجعل آية تهديهم إلى الإيمان به والتسليم لأوامره حيث أمر بالاستثناء (إنشاء الله) وبالإنفاق على المساكين ، وأن يعلم الإنسان بأنّ الجزاء حقيقة واقعية وأنّه نتيجة عمله.
والطواف هو المرور بالشيء وحوله ، والطائف الذي يقوم بذلك الفعل ، ولقد قال المفسرون أنّه العذاب ، وقد يكون تأويله بالريح المدمّرة ، أو طوفان الرمل ، أو الماء العاتي ، أو الجراد تأكل الثمر وكأنّها تصرمه ، ولعلّ الأخير أقرب الاحتمالات .. يقال : طاف الجراد إذا ملأ الأرض كالطوفان (١).
(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)
وكأن أحدا سبقهم إلى صرمها ، وهكذا يواجه مكر الله مكر الإنسان فيدعه هباء منثورا (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٢) ، وإذا استطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين فهل استطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيب والشهادة؟ كلّا .. وأرسل الله طائفة ليثبت لهم هذه الحقيقة ، وربما جعله ليلا «وَهُمْ نائِمُونَ» لتكون القضية أعمق أثرا حيث يعلمون أنّ الجزاء من جنس العمل ، فكما أنّهم أخفوا مكرهم عن أولئك كذلك أخفى الله مكره عنهم فما جعلهم يعاينونه.
[٢١ ـ ٢٣] ولأنّ من طبيعة الإنسان أنّه سريع الانتباه من الرقاد عند انتظار أمر هام ، فإنّهم كانوا ـ فيما يبدو ـ أيقاظا قبيل الصبح.
__________________
(١) المنجد / مادة طاف.
(٢) آل عمران / ٥٤.