إذ لا يريدون أن يتعطفوا ولا على واحد ولو كان من أحوج الناس! وأكّدوا على ذلك اليوم بالذات لأنّه يوم الصرم والقسمة ، فلا يضرهم أن يدخل المساكين بعده إذ لا ثمر ولا قسمة ، والآية تعكس ظاهرة كانت شائعة في ذلك المجتمع وهي أنّ المساكين والمعوزين يدخلون المزارع والبساتين في مواسم الجني والحصاد والصرم ، ولعلهم كانوا يحاولون التعرف على اليوم الذي يبادر فيه الملّاك إلى ذلك فيطوفون عليهم في حقولهم طمعا في المساعدة والإعانة ، ولعل والد الأخوة الخمسة (أصحاب الجنة) الذي توفّى وأورثهم إيّاها كان قد عوّد المساكين على المعونة يوم الصرم من كلّ عام ، وقد أخذ أصحاب الجنة ذلك بعين الإعتبار في خطتهم واحتاطوا للأمر بحيث أنّهم من الناحية الظاهرية ما أغفلوا شيئا.
(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ)
في ظنّهم إذ أحكموا خططهم وكيدهم من كلّ الجوانب. واختلف في معنى الحرد فقيل : هو القصد (١) ، فالمعنى غدوا على قصدهم الذي قصدوا أي الصرم والمنع قادرين عند أنفسهم ، وقيل : الغضب (٢) ، وقيل : المنع ، وقيل : الجد (٣) ، ويبدو لي أنّه المنع المقصود الجاد والمشرب بالحقد والغضب على المساكين والنفور منهم. وإنّما تصوّروا أنفسهم قادرين على ذلك لأنّهم أخذوا بكلّ الأسباب التي من شأنها إيصالهم إلى الهدف ، وغاب عنهم ـ بسبب ترفهم وضعف إيمانهم ـ أنّ قدرة الله المطلقة فوق كلّ شيء ، وأنّه وحده الذي لا يمنعه مانع. ومشوا نحو جنتهم وكلّهم ثقة بأنّ ما أرادوه سوف يتحقّق.
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)
__________________
(١) في مجمع البيان والكشاف وتفسير البصائر عند الآية.
(٢) المنجد / مادة حرد.
(٣) في الدر المنثور عند الآية.