للناس بالبأساء والضراء وألوان من العذاب في الدنيا هي تصحيح مسيرة البشر ، بإحياء ضميره واستثارة عقله من خلال ذلك ، كما قال تعالى : (فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (١) .. فما أحوجنا نحن المسلمين أن نتأمّل قصة هؤلاء الأخوة الذين اعتبروا بآيات الله وراجعوا أنفسهم بحثا عن الحقيقة لمّا رأوا جنتهم وقد أصبحت كالصريم ، فنغيّر من أنفسنا ليغيّر الله ما نحن فيه ، إذ ما أشبه تلك الجنة وقد طاف عليها طائف من الله بحضارتنا التي صرمتها عوامل الانحطاط والتخلف.
ولو أنّهم استمعوا إلى نداء المصلحين لما ابتلوا بتلك النهاية المريعة .. وهكذا كل أمّة لا تفلح إلّا إذا عرفت قيمة المصلحين الثائرين ، فاستمعت إلى نصائحهم ، واستجابت لبلاغهم وإنذارهم. ولهذا الدور تصدّى أوسط أصحاب الجنة ، فعارضهم في البداية حينما أزمعوا وأجمعوا على الخطيئة ، وذكّرهم لمّا أصابهم عذاب الله بالحق ، وحمّلهم كامل المسؤولية ، واستفاد من الصدمة التي أصابتهم في إرشادهم إلى العلاج الناجح.
(قالَ أَوْسَطُهُمْ)
وهو يذكّرهم ويلومهم ، ويرشدهم في آن واحد :
(أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ)
أي أنّ التسبيح هو السبيل لعلاج الضلالة والحرمان ، فهو إذن ليس كما يتصوّر البعض مجرد قول الواحد سبحان الله ، إنّما هو شريعة نظام ومنهجية حياة ، تتسع لعلاج كلّ انحراف ومشكلة لدى الإنسان ، وهدايته إلى الحق والصواب في كلّ
__________________
(١) الأنعام / ٤٢.