ميدان وجانب ، حيث أنّه بالتسبيح يقدس المرء ربه فلا ينسب الذنب إليه وإنّما إلى نفسه ، ولهذا يأتي التسبيح عند الاعتراف بالذنب ، مثل قوله سبحانه في قصة ذي النون وعلى لسانه : (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) والذي ذهب إليه البعض من تفسير للتسبيح هنا بأنّه الاستثناء (بالعطاء للمساكين ، وقول إنشاء الله) أو التوبة بعد الذنب صحيح ولكنّه من المصاديق والمفردات التي إلى جانبها الكثير مثيلاتها.
وتتساءل : من هو أوسطهم؟
قال أكثر المفسرين أنّه أوسطهم في السن ، وذلك ممكن إلّا أنّ الأقرب للمعنى أنّه أعدلهم وأرجحهم عقلا ، ذلك أنّ السن في مثل هذه القضية ليس بذي أهمية حتى يذكر ، وإلى ذلك ذهب ابن عباس وقد سأله سائل : يا ابن عباس كان أوسطهم في السن؟ فقال : لا بل كان أصغر القوم سنّا وكان أكبرهم عقلا ، وأوسط القوم خير القوم ، والدليل عليه في القرآن أنّكم يا أمّة محمّد خير الأمم ، قال الله : «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» (١) ، وإنّما يكتشف الإنسان الطريق السوي باعتداله في العقل والبصيرة لا بمقدار عمره ، وحيث كان أخوهم هذا صاحب بصيرة نافذة فقد سبقهم إلى معرفة الحق ونصحهم ، وقرأ النتائج المستقبلية قبل وقوعها ، وكذلك يكون أولوا الألباب من القادة الصالحين.
ومن موقف أوسط أصحاب الجنة نهتدي إلى بصيرة هامة ينبغي لطلائع التغيير الحضاري وقادته أن يدركوها ويأخذوا بها في تحركهم إلى ذلك الهدف العظيم ، وهي : أنّ المجتمعات والأمم حينما تضل عن الحق وتتبع النظم البشرية المنحرفة تصير إلى الحرمان ، وتحدث في داخلها هزّة عنيفة (صحوة) ذات وجهين : أحدهما :
__________________
(١) تفسير القمّي / ج ٢ ـ ص ٣٨١.