فأنتم مفوّضون من قبل الله؟! وهذا لا دليل عليه ، فلو كانت ثمّة يمين حلف بها الله فإنّها ستكون في رسالته والحال أنّ فيها أيمان مناقضة بأن يملأ جهنم من المجرمين ، ولعل قوله تعالى (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) يهدينا إلى أنّهم في الظاهر يحكمون رقاب الناس في الدنيا ولكنّ الوضع يختلف تماما في الآخرة إذ لا تبقى لهم أيّة سلطة ، فهنالك الولاية لله الحق وله الحكم ، بل في الدنيا أيضا ليس بالضرورة أن يكون لهم ما يتمنون ويحكمون ، لأنّهم لا يقدرون على شيء إلّا بإذن الله القاهر فوق عباده.
بلى. هناك وعد عند الله للمؤمنين بالمغفرة والجزاء الحسن إذا ماتوا مؤمنين ، وليس إلى يوم القيامة دون شرط أو قيد. وما يتوهّمه بعضهم من أنّ السلطان ظل الله في الأرض ، أو أنّه يعفى عن مسئوليات أفعاله ، لا يعدو مجرد تمنيات تفرزها الأهواء ، وهي تتبخر عند الحجة العقلية. من هنا يتحدى السياق أن يملك أحد الشجاعة على تبنّي ذلك القول والدفاع عنه والمجادلة بشأنه.
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ)
والزعيم : الكفيل الذي يقوم بالأمر ويتصدى له ، ومنه زعيم القوم ، ولا أحد يتكفّل هذا الأمر لأنّه لا يعتمد على دليل منطقي ، إنّما ينطلق من الخيال والظن ، وهذه الآية تتشابه وقوله تعالى : (فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (١).
ويمضي السياق قدما في تسفيه الزعم الواهي بتساوي المجرمين مع المسلمين ، حيث ترى كثيرا من المجرمين والمذنبين يتّكلون على الشركاء والأنداد ، ويزعمون بأنّهم ينقذونهم من جزاء أفعالهم المنكرة ، ويزعمون بأنّهم يستطيعون التأثير على
__________________
(١) النساء ١٠٩.