إلّا الاستجابة لدعوة الحق لو لا أنّه تعالى بحكمته يمنع المجرمين من ذلك.
(فَلا يَسْتَطِيعُونَ)
جاء في الحديث المأثور عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ : «تبقى أصلابهم طبقا واحدا» (١) أي فقارة واحدة ، وفي نور الثقلين عن الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ «تدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود» (٢) ، وبالاضافة إلى هذا المعنى الظاهري تتسع الآية لمعنى أعم وهو أنّ المجرمين لا يملكون يوم القيامة أيّة حرية ، ليعلموا أن ليس لهم ما يتخيّرون ولا ما يحكمون كما كانوا يظنون ، وليسوا كوضعهم في الدنيا حيث أطلقوا العنان لأهوائهم فلم يراعوا حلال الله وحرامه ولا حقّا وباطلا ، وبالذات أولئك الذين تسلّطوا على رقاب الناس فتمادوا في الجريمة طغيانا وظلما.
ويصوّر لنا القرآن حالهم حيث الهوان الظاهر على جوارحهم ووجوههم ، والذلة الباطنة التي تكاد تقتلهم إرهاقا في المحشر. وقد شمخوا بأنوفهم حتى كادت تستطيل مثل الخرطوم ، واستكبروا وبالغوا في التظاهر بالعزة في الدنيا لأنّهم في أيديهم المال والسلطة وحولهم الأتباع.
(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ)
مرسلة إلى الأسفل لا يرفعونها بين الناس لما هم فيه من ذلّ الموقف الذي لا يستطيعون معه حتى النظر إلى الآخرين.
(تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)
__________________
(١) الكشّاف ج ٤ ص ٥٩٥.
(٢) نور الثقلين ج ٥ ص ٣٩٥.