أي تغشاهم وتعلو وجوههم ذلة ، ويحتمل أن يكون المعنى أي تحمّلهم الذلة مالا يطيقون من الأذى المعنوي ، وتتعبهم كما تتعب الكلاب الصيد ، يقال : أرهقه أي حمله على ما لا يطيق ، وحكمة الله في منع المجرمين عن السجود بعد أمرهم به فضيحتهم في المحشر حيث يمتاز بامتحان السجود المسلم عن المجرم ، قال قتادة ذكر لنا أنّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله ـ كان يقول : «يؤذن للمؤمنين يوم القيامة في السجود فيسجد المؤمنون ، وبين كل مؤمن منافق فيتعسّر ظهر المنافق عن السجود» (١) ، وبذلك يعرف الناس حقيقته ، حيث أنّ الآخرة في حقيقتها انعكاس لأعمال الإنسان في الدنيا ، وبالتالي فإنّ التمايز في الجزاء هناك هو صورة للتمايز في الأعمال والصفات هنا في الدنيا ، وهذا يعمّق المسؤولية في النفوس ، ويدفعها باتجاه التسليم لربها واستغلال فرصة الدنيا لمستقبل الآخرة.
(وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)
معنويّا وماديّا بحيث لم يكن عندهم عذر يبرر عدم تسليمهم لدعوة الله سوى اتخاذهم الهوى إلها من دونه عزّ وجلّ ، ولعلنا نستوحي من الآيتين (٤٢ ـ ٤٣) فكرة هامة تتصل بسلوك الإنسان في الدنيا ، وهي : أنّه حينما لا يستغل نعم الله عليه كالصحة والغنى فإنّها قد تسلب منه فيفوته الانتفاع بها ، أو يسلبه الله توفيق الطاعة بسبب تماديه في المعصية والجريمة حتى يصل به الأمر أنّه قد يفكّر في التوبة والاستجابة لدعوة ربه ولكنّه لا يوفّق لذلك لأنّه قد طبع على قلبه.
[٤٤ ـ ٤٥] ولأنّ المترفين يعتبرون تتالي النعم عليهم دليلا على رضاه تعالى عنهم ، فيتمادون في التكذيب بالرسالة ومحاربة الرسول اعتمادا على ذلك ، جاءت الآيات تؤكّد بأنّ الحقيقة عكس ذلك تماما لأنّ الله يكيد لهم عبر خطة حكيمة ،
__________________
(١) الدر المنثور ج ٦ عند الآية.