وأيّ كيد أعظم من ذلك الذي يحسبه الإنسان خيرا وهو شر وبيل ، وينطوي على حرب مباشرة بين الخالق العظيم الجبّار شديد العقاب وبين المخلوق الحقير الضعيف المسكين يمشي إليها برجله ويقع في فخاخها بغتة؟!!
(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ)
يعني الرسالة التي هي حديث الله إلى الإنسان ، ومن الرسالة حديث الآخرة والعذاب ، وما أخوف هذه الآية للمكذبين أن يبارزهم ربّ العزة مباشرة ، وما أسوء مصير من لا تبقى بينه وبين ربه رحمة!
وما أرجى هذه الآية في نفس الوقت للرساليين الذين يواجهون تحديات المترفين في مسيرتهم الجهادية ، فإنّها تثلج صدورهم وتزرع فيها الاطمئنان والسكينة بأنّهم منتصرون ومحميّون لأنّ الله يدافع عنهم ، وأنّ الله سيدمّر المكذبين بدعوتهم الصادقة والمعارضين لها ، إنّ خطة الحرب الإلهية ضدهم تمرّ خلال كيد متين (قوي لا يستطيع أحد تحدّيه والإنتصار عليه ، ومحكم لا يجد الطرف الآخر ثغرة ينفذ فيها حينما يواجهه) بحيث يدخل هو كعنصر فعّال ضد نفسه دون أن يعلم ومن حيث لا يتوقع.
(سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)
في المنجد : تدرّج إلى كذا تقدم إليه شيئا فشيئا ، واستدرجه صار به من درجة إلى درجة وخدعه (١) ، وفي هذه الآية إشارة واضحة إلى أنّه تعالى يجعلهم يتقدمون للوقوع في المكيدة من خلال نقاط ضعف عندهم ، هم قاصرون عن وعيها ، بحيث يصيّرها الله عاملا يستحثّهم للوقوع في عذابه. ومن أهمّ نقاط ضعفهم ما أترفوا فيه
__________________
(١) المنجد مادة درج بتصرف.