(كالمنجّمين والكهنة) فهم لا يثبتونه بمثل الكتابة باعتباره لا قطع به. وإنّ المترفين ليدّعون علم الغيب حيث يظنّون في أنفسهم بأنّ أموالهم باقية وسوف تزداد في المستقبل ، ولا يدرون لعلّها في علم الله تزول ، قال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً* أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً* كَلَّا سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) (١).
وما داموا لا يملكون ناصية العلم فهم بحاجة ماسة إلى مصادره (الرسالة) وما تكذيبهم بهما إلّا دليل على ما هم فيه من العتو والجحود.
[٤٨ ـ ٥٠] والأسباب الثلاثة التي مرّ ذكرها تجعل الحركة التغييرية في أوساط المترفين تواجه تحدّيات صعبة من شأنها أن توحي للبعض بأنّ التغيير مستحيل البتة ، وفي ذلك خطران على المصلحين :
الأول : خطر التراجع عن المسيرة ، كنتيجة طبيعية لليأس من الوصول إلى الأهداف المنشودة من الحركة التغييرية ، أولا أقل التنازل عن بعض القيم والتطلعات ، والاستسلام للتحديات المضادة ، ومن ثمّ المداهنة فيها ، وإلى ذلك أشار الله في قوله : (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (٢).
الثاني : خطر اليأس من الناس ، ممّا يؤدي إلى اعتزالهم والانطواء على الذات ، ومن ثمّ إصدار حكم الكفر عليهم ممّا يفقد المصلحين الفاعلية التغييرية.
وهكذا يحتاج الرساليّون إلى مزيد من الصبر في مواجهة تكذيب المترفين. الصبر
__________________
(١) مريم ٧٧ / ٧٩.
(٢) هود ١٢.