وتسليما.
المؤمن كما الذهب يزداد صفاء كلّما تعرّض لفتنة النار ، وإنّ إيمانه بالله ليزيده صلة بربه عند المصائب ، لأنّه يعلم بأنّها لا تقع إلّا بإذنه ولا تزول إلّا بإذنه ، وأنّ خير وسيلة لتحدّيها هو المزيد من الاتصال به والتقرّب إليه ، بل يزداد إحساسه بالحاجة إلى الله وضرورة الاستعانة به ، كما قال تعالى : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) (١).
٢ ـ وكما أنّ الإيمان معراج الروح إلى التسليم فهو معراج الفكر إلى الصواب ، فإنّ المصيبة تفقد أكثر الناس توازنهم النفسي لما تحمله من الضغوط ، فتزرع فيهم اليأس من التغيير ، وقد تشلّ عقولهم عن التفكر ، ولكنّ المؤمن يقف أمامها كالجبل الأشم لا تخرجه عن طوره ، وهذا يبقيه مهتديا ، وقادرا على الوصول إلى الصواب حتى في ظروف المصيبة ، بل إنّها تصبح مدخله لكثير من المعارف ، فالمرض يدفعه لمعرفة سنن الله في جسم الإنسان ، وطغيان الظلمة يجعله يعرف سنن الله في المجتمع ، وهكذا ..
٣ ـ أضف إلى ذلك أنّه يجد الحل للمصيبة والموقف السليم منها نتيجة الإيمان ، فالإيمان بالله أكثر من مجرّد الإعتقاد. إنّه منهجيّة حياة شاملة ، والمؤمن عند المصيبة يتذكّر بأنّ الله حكيم لا يفعل شيئا إلّا لسبب فيبحث عن ذلك السبب ، ويتذكّر أنّ الإنسان بأعماله هو السبب الرئيسي لكلّ ما يجري عليه ، تسليما لقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (٢) ثم يسعى للتغيير ايمانا بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٣) ،
__________________
(١) البقرة / ١٥٦
(٢) الشورى / ٣٠
(٣) الرعد / ١١