ويستعين بالله بكلّ ما يستطيع من دعاء وصدقة ، لإيمانه بأنّه على كلّ شيء قدير ، وأنّه يمحو ما يشاء ويثبت ، ولأنّه قال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (١) ، فالمصيبة إذن تتحوّل عند المؤمن إلى عمل بمناهج الله ، وبالتالي الوصول إلى الحل ، وذلك من مصاديق الهداية.
(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
وهذه الخاتمة تبني روح التسليم لقضاء الله عند كلّ مؤمن ، حيث تؤكّد له أنّ إذن الله وتدبيره متأسس على علمه ، فهو لحكمة يعرفها ، ولأسباب أحاط بها.
ونجد في الآية التفاتة لطيفة تتصل بنظرية الجبر التي عالجها كثير من المفسّرين عند هذه الآية ، فقد زعم البعض بأنّ الإنسان ليس له اختيار في الحياة ما دام الله هو الذي يقدّر شؤونها ـ كالمصائب ـ ويجريها كيف يشاء! ولكنّ القرآن يحل هذه الإشكالية باختصار وبأسلوب بليغ حيث يؤكّد دور الإنسان في صنع واقعه ومصيره بالقول : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ). إذن فالهداية التي هي من عند الله لا تحصل إلّا بعد إيمان الإنسان نفسه بالله ، وعلى هذه السنة تمضي الحياة بخيرها وشرها ، بأفراحها وأحزانها ، كما أننا نستطيع أن نفسّر كل الحوادث بهذه البصيرة.
وسؤال أخير في الآية : لماذا قال ربنا : «يَهْدِ قَلْبَهُ» ولم يقل : يهديه ، كما في كثير من الآيات الأخرى؟
والجواب : أوّلا : لبيان أنّ صلاح الإنسان وفساده (هدايته وضلاله) كلّ ذلك متصل بما ينطوي عليه قلبه من الأفكار والمعتقدات ، وبالتالي فإنّ التغيير الحقيقي والجذري يتمّ بتغيير القلب.
__________________
(١) غافر / ٦٠