أخرى فيراها فارغة ليس فيها ما يسره ولا ما يسوؤه ، وهي التي نام فيها ، أو اشتغل فيها بشيء من مباحات الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على فواتها حيث كان متمكّنا من أن يملأها حسنات ما لا يوصف» (١) ، أمّا المتقون الذين لا يفترون عن طاعة الله ويذكرونه دائما وعلى كل حال (قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) فإنّ أكثر صفحات كتبهم تتألق بنور الأعمال الصالحة التي يستبشرون بها ، ويدعون الآخرين لقراءتها يوم القيامة.
[٢٠] ويؤكّد الله أنّ الإيمان بالجزاء (الآخرة) أصل كلّ خير ، وأساس كلّ عمل صالح في حياة المؤمنين ، فهو الدافع الذي يقف وراء الصالحات ، والجامع المشترك بينها كلها ، وهذه الحقيقة تتضح لو قمنا بعملية استقراء دقيقة لحياة واحد من أصحاب اليمين ، الذين يعلن الواحد منهم هذه الحقيقة في صفوف المحشر يومئذ.
(إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ)
ولا يقول : سأعرف أو سأعلم حسابيه ، لأنّ الإنسان على نفسه بصيرة فهو الذي يكتب كتابه بنفسه .. إذن فهو يعلم بحسابه ولو بصورة مجملة ، فكيف والمؤمنون يحاسبون أنفسهم؟ إنّما يريد سألاقي من يحاسبني وهو الله وسأجازى ، لأنّ ما بعد الحساب هو المقصود لذاته. والمعنى أنّ كلّ ما تقرؤونه في الكتاب من الصالحات هو ثمرة لشجرة الإيمان بالآخرة ، ونبتة جذرها يعود إلى ذلك.
وفي معنى الظن اختلفت تعابير المفسرين ، فقال الزمخشري وتابعه الفخر الرازي : أي علمت ، وإنّما أجري الظن مجرى العلم لأنّ الظن الغالب يقوم مقام العلم في العادات والأحكام ، ويقال : «أظن ظنّا كاليقين أنّ الأمر كيت
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٧ ص ٢٦٢