أي كاملة لا يعتريها نقص ولا عيب ، فإنّ الرضى لا يحصل إلّا إذا وجد الإحساس بالكمال وعدم النقص ، وكون المؤمن في عيشة راضية دليل على بلوغه قمة الرضى لأنّ رضى المحيط والعيشة جزء من رضاه ويعزّزه ، فليس ثمّة في محيطه شيء ولا أحد غير راض يبعث في نفسه عدم الرضى والراحة النفسية ، فنعيم الجنة وحورها وكل شيء فيها ليفرح بالمؤمن ويرضى به.
وفي الآية فكرة عميقة وهي : أنّ المؤمن أين ما حلّ يحبّه المحيط ، وتستأنس به الحياة ، لأنّه مبارك أين ما كان ، يرضى عنه الناس والحيوان والنبات وحتى الأرض والجمادات التي تربطه بها رابطة ، فهو يخدم الناس ويتعب نفسه من أجلهم ، ويرفق بالحيوان ، ويرعى النبات ، ويصلح الأرض ، ويستخدم كلّ شيء في طاعة ربه ولأهدافه المحدّدة ، ممّا يسبب شعورا داخله بالرضى ، ويضفي جوّ الرضا على ما حوله ، بينما الكافر العكس من ذلك تماما ، نفسه ساخطة ، وكل شيء ساخط منه ، لأنّ علاقته ليست سليمة بما حوله.
قال الرسول (ص): «الناس اثنان : واحد أراح ، وآخر استراح ، فأمّا الذي استراح فالمؤمن إذا مات استراح من الدنيا وبلائها ، وأمّا الذي أراح فالكافر إذا مات أراح الشجر والدواب وكثيرا من الناس» (١) ، فهم غير راضين به ، ولا مستأنسين لوجوده ، بعكس المؤمن الذي ترضى به عيشته حتى إذا مات تأثّر له وحزن عليه كل شيء ، حتى جاء في الأخبار أنّه : «ما من مؤمن يموت في غربة من الأرض فيغيب عنه بواكيه ، إلّا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد الله عليها ، وبكته أثوابه ، وبكته أبواب السماء التي يصعد بها عمله ، وبكاه الملكان الموكّلان به» (٢) ، هذا في الدنيا ، أمّا في الآخرة فالنصوص كثيرة ومستفيضة تحدثنا عن
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٦ ص ١٥١.
(٢) المصدر / ج ٦٧ ص ٦٦.