(بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ)
وبهذا ينسف الأماني والظنون الكاذبة ، ويضع الإنسان أمام المسؤولية. وقد ذهب أكثر المفسرين إلى القول بأنّ «أسلفتم» تعني الصيام ، واستشهد الدر المنثور بقول الله في حديث قدسي : «يا أوليائي! طالما نظرت إليكم في الدنيا وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة ، وغارت أعينكم ، وجفّت بطونكم ، كونوا اليوم في نعيمكم ، وكلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيّام الخالية» (١) ، والتفت الفخر الرازي إلى معنى لطيف للكلمة فقال : والاسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالإقراض ، ومنه يقال : أسلف في كذا إذا قدّم فيه ماله (٢).
والذي أراه أنّ الصيام أحد مفردات الاسلاف ، أمّا الكلمة فهي عامة تتسع لكل الصالحات كالإنفاق والجهاد والصلاة و.. التي هي ثمن الجنة بعد فضل الله و: «شتّان ما بين عملين : عمل تذهب لذته وتبقى تبعته ، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره» (٣) ، وذلك هو الفرق بين أصحاب النار وأصحاب الجنة.
[٢٥ ـ ٢٧] ويمضي السياق قدما في تصوير جزاء الكفار الذين تعطى كتبهم في شمالهم دلالة على الشؤم وسوء المصير ، وذلك لتتوازن معادلة الخوف والرجاء في ذهن الإنسان ويسمو بنفسه في آفاق القرب من الله ، يدفعه الرجاء للمزيد من العمل الصالح ، ويردعه الخوف عن محارم الله واقتراف السيئات.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ)
__________________
(١) الدر المنثور / ج ٦ ص ٢٦٢
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ عند الآية.
(٣) نهج البلاغة / حكمة ١٢١.