الذي اختطّه وألّف ما فيه بنفسه.
(بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ)
وتعكس هذه الآية مدى الفارق بين الإثنين : الأول الذي يكاد يطير فرحا بكتابه ، ويدعو الآخرين لقراءته حتى يشاركوه السرور ، والآخر الذي ليس لا يدعو الآخرين لقراءة كتابه بل يتعذّب هو خجلا وحسرة ممّا فيه ، إلى حدّ يتمنّى لو ذهب به إلى العذاب دون أن يقرأ كتابه.
قال الفخر الرازي : واعلم أنّه لمّا نظر في كتابه يذكر قبائح أفعاله خجل منها ، وصار العذاب الحاصل من تلك الخجالة أزيد من عذاب النار ، فقال : يا ليتهم عذّبوني بالنار وما عرضوا هذا الكتاب الذي ذكّرني قبائح أفعالي ، حتى لا أدفع هذه الخجالة ، وهذا ينبّهك على أنّ العذاب الروحاني أشد من العذاب الجسماني (١) ، وإلى مثل هذا ذهب أكثر المفسرين. ثم يضيف القرآن بلسان حال أصحاب الشمال قائلا :
(وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ)
ممّا يدل على وجود ثلاثة أنواع من العذاب : عذاب الفضيحة بين الناس والذي يحلّ بأصحاب الجحيم فور إعطائهم كتبهم بشمالهم ممّا يعرفهم لأهل المحشر بأنّهم من الخاسرين المعذّبين ، والعذاب النفسي (بالخجل والندم) الذي يحلّ بالنظر في صحائفهم المسودّة بالقبائح والسيئات التي اكتتبوها لأنفسهم ، والعذاب الذي يتلقّونه عند ورودهم النار ، ولذلك فإنّهم يتمنّون لو أنّ موتتهم الدنيوية كانت النهاية ، فلا بعث ولا حساب ولا جزاء بعدها.
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ عند الآية