(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ)
والقاضية التي ينتهي بها كلّ شيء. وحينما تدقّق النظر في الآيات قد تهتدي إلى حقيقة لطيفة وذلك من تكرار صيغة التمنّي على لسان أصحاب النار (الآيات ٢٥) وهي : أنّ من أهم أسباب الخسران هو التمنّي الذي يعتمد عليه الكافر بدلا عن العمل والسعي ، والذي لا يغيّر في الواقع شيئا ، لا في الدنيا ولا في الآخرة .. وإنّه قادر على النجاة من سوء العاقبة والجزاء والانتقال من أصحاب الشمال إلى أصحاب اليمين ولكن عبر السعي والعمل ، وليس بالتمنيات الخادعة التي يلوكها بلسانه حتى في عرصة القيامة.
[٢٨] وحيث أنّ القيامة ـ كما سبق وبيّنا ـ سمّيت بالحاقة لكونها تحقّ الحق (تظهره وتغلّبه) فإنّ أصحاب الشمال الذين حجبهم ضلالهم عن معرفة الحقائق والتسليم لها في الدنيا تزيل حوادث الآخرة وأهوالها الغشاوة التي على قلوبهم فيرون الحق بكلّ وضوح وجلاء ، ويكتشفون أخطاءهم الفادحة التي طالما أصرّوا عليها وحسبوا أنّهم يحسنون بها صنعا. وتبرز هنا المفارقة الرئيسية بين المؤمن الذي لا يفاجئه البعث والجزاء ، باعتباره كان حاضرا عند هذا الغيب وهو في الدنيا «إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ» ، وبين الآخر الذي كذّب بالآخرة ، ووجد نفسه أمام حقيقتها يومئذ فاكتشف أخطاءه في وقت لا تنفع المعرفة ولا ينجي الإيمان. ومن أفدح الأخطاء التي يقع فيها الإنسان ، وبالتالي يدخل بسببها أكثر الناس نار جهنم ، هو الاعتماد على المال ، والحال أنّه لا ينفع أحدا في الآخرة ، لأنّ العمل الصالح وحده زاد النجاة والفلاح فيها.
إنّ المال بذاته لا يغني ، وإنّما ينفع إذا عمل به أعمال خير وصلاح بالإنفاق في سبيل الله .. ولم يفعل ذلك أصحاب الشمال لأنّهم كفروا بالحساب والجزاء.