والآية توجّهنا إلى معنى لطيف للغنى فهو لا يتحقق بوجود المال وكثرته ، إنّما بأدائه دوره ، وهدفه في الحياة ، فأصل الغنى من ارتفاع الحاجة ، ومع أنّ المال يقضي للمترفين والمخدوعين بعض الحاجات الظاهرية ، وتستطيل به أيديهم إلى كثير من بهارج الدنيا وزخارفها ، إلّا أنّ ذلك لا يعدّ غنى إنّما الغنى حقّا يكون بانقضاء الحاجات الحقيقية للبشر ، وأهمّها رضى الله والزحزحة عن النار التي لم يوظّف أصحاب الشمال وبالذات المترفون منهم أموالهم من أجل قضائها.
(ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ)
ولقد بيّنت أحاديث أئمة الهدى المعنى الأصيل للغنى ، قال الإمام علي (ع): «الغنى والفقر بعد العرض على الله» (١) ، وجاء رجل إلى الإمام الصادق (ع) فشكا إليه الفقر ، فقال : «ليس الأمر كما ذكرت ، وما أعرفك فقيرا» ، فقال : والله يا سيدي ما اسبنت (ما عرفت) ، وذكر من الفقر قطعة والصادق (ع) يكذّبه ، إلى أن قال (ع) : «خبّرني لو أعطيت بالبراءة منا مائة دينار كنت تأخذ؟» قال : لا ، إلى أن ذكر ألوف الدنانير ، والرجل يحلف أنّه لا يفعل ، فقال له : «من معه سلعة يعطى هذا المال لا يبيعها هو فقير؟» (٢) ، والعمل الصالح والولاية هما اللذان يبقيان مع الإنسان ويغنيانه يوم القيامة ، وليست الأموال التي تفنى أو يرتحل عنها خالي اليدين.
ويضيف القرآن على لسان من يؤتى كتابه بشماله قوله :
(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)
__________________
(١) نهج البلاغة / حكمة ٤٥٢.
(٢) موسوعة بحار الأنوار / ج ٦٧ ص ١٤٧.