ولعل من أسباب تقديم الحديث عن المال على الحديث عن السلطان أنّ المال هو طريق الإنسان للسلطة والحكم والهيمنة في أغلب الأحيان. وفي معنى السلطان ذهب أكثر المفسرين القدماء والجدد إلى أنّه الحجّة ، باعتبارها تعطي صاحبها الحق والهيمنة ، وتجعل الآخرين يسلّمون له ، قال القمي : «سلطانية» أي حجته ، ومثله الدر المنثور والكشّاف والتبيان ، وزاد الرازي بقوله : ضلّت عني حجتي حين شهدت عليّ الجوارح بالشرك (١) ، وما أرجحه أن تصرف الكلمة إلى عموم السلطان ، بينما (الحجة) من مصاديقه ، وهناك مصداقان أساسيان آخران نجد الإشارة إليهما :
الأول : السلطان بمعنى الهيمنة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي عادة ما ترافق المال والثروة عند المترفين ، فتزيدهم بعدا عن الحق وغرورا ببقائها ، فإنّها تسلب بالموت وفي الآخرة بصورة أشمل ، وقد أشار إلى هذا المصداق العلّامة الطبرسي بقوله : «سلطانية» أي ملكي وتسلّطي على الناس (٢) ، وما أحوج الحكّام والمترفين إلى استحضار ذلك المشهد في أذهانهم لعلّه يدعوهم إلى العدل وتوجيه السلطة في مرضاة الله عزّ وجلّ .. وإنّ الآيتين «ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ» لهما أيضا لسان حال كلّ طاغية وحاكم قرعته يد القدرة والجزاء في الدنيا قبل الآخرة.
الثاني : السلطان بمعنى الإرادة ، إذ أنّ الوجه البارز من الكلمة هو الهيمنة التي تجعل إرادة المتسلّط ماضية ونافذة ، وهذه هي الأخرى تسلب بكلّ ما تؤدي إليه الكلمة من معنى ، لأنّ السلطة هنالك للحق ولمن تمسك به.
__________________
(١) راجع التفاسير المذكورة عند الآية.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٤٨.