الإيمان بالجانب الآخر (الوحي) ، فإنّ المتدبر في الآيات القرآنية لا بد وأن يسلّم بأنّها من عند الله ، لأنّه يجدها معجزات لا تتأتّى إلّا للخالق العظيم ببلاغتها ونظمها ومعانيها الهادية للحق ، كما قال الله :
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ)
أي رفيع المنزلة عند الله ، منزّه ، وغاية في الأمانة والأخلاق فهو لا يقصّر في التبليغ ولا يحرّف ، ممّا يؤكّد بأنّ الرسالة وصلت سالمة وتامّة كما أرادها الله وأنزلها ، وهذا الأمر يعطينا الثقة والاطمئنان بها ، والاعتماد عليها بضرس قاطع. وفي الآية تأكيدان لهذه الحقيقة : «إنّ» واللّام في «لقول» ، وبالإضافة إلى هذين التأكيدين اللفظيين هناك ثلاثة تأكيدات معنوية على أنّ الرسالة هي من عند الله :
ألف : كلمة «قول» ، فالرسول دوره لا يتعدّى نقل الرسالة إلى الناس ، فهو يقولها وليس يؤلّفها أو يخلقها.
باء : إنّه تعالى لم يقل فلانا (جبرئيل أو محمد) بل لم يقل نبي ولا ملك .. إنّما اختار كلمة «رسول» لأنّها أدلّ على المعنى المراد من سواها .. فالرسول هو الذي يحمل الرسالة من عند غيره.
جيم : وإذ امتدح الله رسوله بأنّه «كريم» دلّ ذلك على أمانته ووصول الرسالة كما أراد المرسل ، وإذا كان نكران الذات من أبرز صفات الكريم فإنّنا نفهم من وصف الله لرسوله بذلك أنّه تنازل عن ذاته في قضية الرسالة لله ، وبالتالي ليس فيها شيء من عند نفسه.
ولقد اختلفت الأقوال في المقصود بالرسول ، فقال فريق : أنّه جبرئيل الذي يتنزل بالوحي من عند الله إلى النبي (ص) فهو رسول الله إلى نبيه ، وقال آخرون :