أنّه النبي محمد (ص) ، وما أذهب إليه أنّ الكلمة منصرفة إلى الإثنين ، لأنّهما رسولان من عند الله وفيهما ذات الصفات الرسالية ، ولأنّ المقصود هنا إثبات أنّ القرآن من عند الله وليس من عند أحد كالنبي أو جبرئيل ، ممّا يستوجب التأكيد على الصفات المذكورة في الإثنين.
(وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ)
لأنّه لا يشبه أقوال الشعراء لا في أوزانه وقوافيه ولا في بلاغته ، إذ المسافة بين بلاغته وأدبه الرفيع وبين بلاغة الشعراء وأدبهم مسافة لا يعلمها إلّا الله ، فهي كما وصفها الرسول الأعظم (ص) بقوله : «فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه» (١) ، ولا في معانيه لأنّ الشاعر قد يهمّه ظاهر الكلام فقط فيتخبّط في المعنى ، ولو كان الرسول كالشعراء لكان يضخّم الأمور حتى إذا نقل رسالة الله ، فتلك طبيعة الشعراء.
وأعظم مفارقة بين رسالة الله والشعر أنّها تنطوي على الحق وتهدي إليه ، بينما ينطوي أغلب الشعر على الباطل ، وأنّها تعبّر عن الحقائق الواقعية ، بينما يطلق الشعراء لعواطفهم وظنونهم العنان دون حساب ، فهم يعتمدون على المشاعر والأحاسيس بينما تعتمد رسالة الله على علمه الواسع ، من هنا نستطيع القول بأنّ كلمة الشاعر لا تنحصر في الذي ينظّم الأبيات والقصائد ، وإن كان من مصاديقها الجلية ، إنّما تتسع لكل من يتبع الثقافة البشرية المنطلقة من الظنون والمشاعر البشرية لا من العلم الإلهي كأصحاب النظريات والفلسفات ، ولعل هذه المفارقة هي السر في فشل النظريات البشرية وتزلزلها ، وثبات القيم الإلهية ونجاحها ، وإلّا
__________________
(١) موسوعة بحار الأنوار / ج ٩٣ ص ١٩ .. ولا يعني ذلك أنّ القرآن في منزلة الخالق لأنّه مخلوق له عزّ وجلّ وإنّما يعني أنّ كل فضل في الكلام من قبل القرآن فهو كفضل من الله لأنّه كلامه.