فما هي العلاقة بين نفي الشعر والكهانة؟
أولا : لأنّ الشعر والكهانة من الظواهر التي كانت شائعة في المجتمع الذي تنزّلت فيه الرسالة يومئذ ، وكان الشعراء والكهّان يمثّلون طبقة المثقفين والواعين بين الناس ، وإذ ينفي الله كون القرآن من أفكار أوعى أفراد المجتمع فإنّه ينفي كونها من عند أيّ أحد من الناس ، لأنّ ما يعجز عنه الأقدر لا يستطيع الإتيان به غيره.
ثانيا : لأنّ أيّ ثقافة يأتي بها الإنسان فإنّما يحصل عليها عن أحد طريقين أو عنهما معا : فإمّا تكون ذاتية يتفتّق بها عقله وخياله كالشعر ، وإمّا تأتيه عبر الآخرين كالكهانة التي يتلقّى الكهّان أفكارها من القوى التي يتصلون بها أمثال الشياطين والجن ، بغضّ النظر عن الصحة والخطأ. وحيث ينفي القرآن الإثنين فإنّما يؤكّد بأنّ الرسالة ليست من عند نفس الرسول (ص) ولا مصدر آخر يتصل به سوى وحي الله عزّ وجلّ.
إنّ الرسالة هي الحق المرتكز في فطرة الإنسان وعقله ، وآياتها تترى وتتواصل الحجج الدالة عليها حتى يقتنع الإنسان بها ، ثم أنّها تقوم بدور تذكرة البشر وتنمية عقله وإرادته.
(قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)
والقليل هنا حسبما يبدو لي بمعناه المعروف.
ولعل الترتيب في النفي بتقديم نفي الشعر ثم نفي الكهانة ب «ولا» يهدينا إلى أنّ الكهانة في عرف المجتمع أرفع وأعجب من الشعر ، كما في قول الله : «قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ» (١).
__________________
(١) راجع تفسير هذه الآية في سورة الجمعة.