وحول أصل الكهانة جاء في الخبر المأثور في كتاب الإحتجاج : إنّ الزنديق سأل الإمام الصادق (ع) فمن أين أصل الكهانة ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟ قال (ع) : «إنّ الكهانة كانت في الجاهلية ، في كلّ حين فترة من الرسل ، كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم عن أشياء تحدث ، وذلك من وجوه شتّى : فراسة العين ، وذكاء القلب ، ووسوسة النفس ، وفتنة الروح ، مع قذف في قلبه ، لأنّ ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان ويؤديه إلى الكاهن ، ويخبره بما يحدث في المنازل والأطراف» (١) ، وتهدينا هذه النهاية إلى أنّ نسبة الصدق لدى الكهّان فيما يتصل بأسرار الناس تكون أكبر من نسبتها في الحديث عن الغيب ، لأنّ الأسرار قد وقعت واطّلع عليها الجن الذين يتصلون بهم ويخبرونهم ، وليس الغيب كذلك ، ولا سيما فيما يتصل بوضع برنامج حياتي متكامل في بصائر العقل وتزكية القلب وتنمية الإرادة ونظام الحياة ، فإنّه لم يبلغه أيّ كاهن عبر التاريخ. إنّه فقط معاجز الرسل!
[٤٣] إنّ التمايز بين خط الرسالة والثقافات البشرية واضح لا غموض فيه ، ولذلك فإنّ نظرة فاحصة للقرآن تهدينا إلى أنّه ليس شعرا ولا كهانة إنّما رسالة الله إلى خلقه.
(تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ)
أولا : أنّ القرآن معجزة الله الخالدة ، لفظا بأدبه وبلاغته ونظمه و.. و.. ، ومعنى بهداه ومعانيه ، والذي يدر القرآن من جانبيه (الظاهر والباطن) يتيقّن بلا أدنى شك أنّه فوق قدرات العالمين إنسا وجنّا ، وهذا ما توحي به كلمة «تنزيل» إذ لا ينزل الشيء إلّا من المكان العلي ، وبتعبير آخر : إنّه تعالى لو لم ينزل الرسالة
__________________
(١) الاحتجاج / ج ٢ ص ٣٣٩.