بلطفه لما كان العالمون ـ مهما تفتّقت عبقريّاتهم وبلغت قدراتهم ـ قادرين على السموّ إلى مقام الإتيان بمثل آيات القرآن .. لا بالشعر ولا بالكهانة ، ولو بلغ الأمر أن تظافرت القوى والتقت الحضارتان ، حضارة الإنس والجن (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١).
ثانيا : أنّ الله تعالى يتجلّى في كتابه بصفاته وأسمائه الحسنى ، وكتابه يهدي الله من بدايته حتى نهايته ، وإنّ القارئ آياته والمتدبّر كلماته ليرى ربه ببصيرة الإيمان واليقين ، قال الإمام الصادق (ع): «لقد تجلّى الله لخلقه في كلامه ولكنّهم لا يبصرون» (٢) ،وقال الإمام علي (ع): «فبعث الله محمّدا .. بقرآن قد بيّنه وأحكمه ، ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه ، وليقرّوا به بعد إذ جحدوه ، وليثبتوه بعد إذ أنكروه ، فتجلّى لهم سبحانه في كتابه من غير أن يكونوا رأوه بما أراهم من قدرته ، وخوّفهم من سطوته ، وكيف محق من محق بالمثلات ، واحتصد من احتصد بالنقمات» (٣)
إنّ المسافة بين كلام الله وكلام المخلوقين ليست بالتي تخفى على ذي لبّ وفطرة حتى يجهل أحد التمييز بين الرسالة وأفكار المخلوقين.
ولنا وقفة هنا على العلاقة بين الحديث عن الرسالة وأنّها من ربّ العالمين بالذات ، فلم يقل الله : تنزيل من الله .. أو ما إلى ذلك من أسمائه الحسنى الأخرى.
إنّ أصل كلمة «ربّ» من التربية بما تعني الكلمة من نماء وتزكية ولطف ،
__________________
(١) الإسراء / ٨٨.
(٢) بحار الأنوار / ج ٩٢ ص ١٠٧.
(٣) نهج البلاغة / ج ١٤٧ ص ٢٠٤.