ورسالة الله هي أظهر آية على علاقة الرب الخالق بالمخلوق المربوب ، لأنّها وسيلة الله في تأديب خلقه وتربيتهم ، وطريقهم لكلّ خير ونماء وبركة إذا عملوا بها ، كما أنّها علامة حنانه وتلطّفه بهم.
وننقل هنا بعض الأخبار التي وردت في شأن الآيات الأربع (٤٠) فيما يتصل بشأن نزولها عند المفسرين ، من ذلك ما رواه ابن إسحاق عن الوليد ابن المغيرة ، وعن النضر ابن الحارث ، وعن عتبة ابن ربيعة ، وقد جاء في روايته عن الأول :
«ثم إنّ الوليد ابن المغيرة اجتمع إليه نفر من قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم ، فقال لهم : يا معشر قريش! إنّه قد حضر هذا الموسم ، وإنّ وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ، فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذّب بعضكم بعضا ، ويردّ قولكم بعضه بعضا ، فقالوا : فأنت يا أبا عبد شمس فقل ، وأقم لنا رأيا نقل به ، قال : بل أنتم فقولوا أسمع ، قالوا : نقول : كاهن ، قال : لا والله ، ما هو بكاهن ، لقد رأينا الكهّان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ، قالوا : فنقول : مجنون ، قال : ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته ، قالوا : فنقول : شاعر ، قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كلّه رجزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فما هو بالشعر ، قالوا : فنقول : ساحر ، قال : ما هو بساحر ، لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ، قالوا : فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال : والله إنّ لقوله لحلاوة ، وإنّ أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة ، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلّا عرف أنّه باطل ، وإنّ أقرب القول فيه لأن تقولوا : هو ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرّق بين المرء وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وعشيرته ، فتفرّقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل الناس ـ حين قدموا الموسم ـ لا يمرّ