كأنّها جمع أفعوله من القول (١) ، والمعنى ولو نسب إلينا قولا لم نقله (٢) ، والافتراض هنا افتراض جدلي يفيد أنّ النبي (ص) لم يتقوّل ـ حاشاه ـ إذ لم نر الوعيد الإلهي تحقّق في هذا الشأن. والآية تزكية للرسول ليس فيما يتصل بالقرآن وحسب بل في كلّ نطقه وكلامه. وهذه الشهادة الإلهية البيّنة آية على عصمة نبينا (ص) ، وأنّ سنته كالقرآن ليست من أهوائه إنّما هي بعلم الله وحكمته أجراها على لسانه.
(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ)
معنويّا بسلب سمة النبوة منه ، وماديّا بمجازاته أشد الجزاء ، لأنّ خطأ الإنسان يكون أفظع وأسوأ كلّما كان في موقع أهم ، وهذا ما يجعل ثواب نساء النبي وعقابهنّ مضاعفا عند الله. ولعمري إنّه إنذار ووعيد لكلّ من يخون أمانة الله ، وبالذات أولئك الذين حمّلهم مسئولية الرسالة .. أعني العلماء ، فيا ويل الذين يفترون منهم الكذب ، ويحرّفون الكلم عن مواضعه.
وقد اختلف في الأخذ باليمين ، فقال جماعة : أنّه كناية عن الأخذ الشديد باعتبار اليمين رمز القدرة ، وقال آخرون : أنّه أخذ القوة منه أي سلبنا منه القوة (٣) ، لأنّ القوة في اليمين ، فإذا أخذت انتفت ، وفي المجمع : لأخذنا بيده التي هي اليمين على وجه الإذلال ، كما يقول السلطان : يا غلام خذ بيده ، فأخذها إهانة ، وقيل : معناه لقطعنا يده اليمنى (٤) ، ويبدو لي أنّه الأخذ الشديد ، وأخذ الله دائما يكون شديدا. أمّا كيف يأخذ الله؟ فذلك من شأنه.
__________________
(١) الكشّاف / ج ٤ ص ٦٠٧.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ عند الآية.
(٣) التفسير الكبير / ج ٣٠ عند الآية.
(٤) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٥٠.