[٤٨ ـ ٥٢] وبعد أن أثبت القرآن بأنّه قول رسول كريم بالمعالجة الموضوعية الدقيقة ، وبالتالي كونه كلام الله عزّ وجلّ ، ينثني لبيان صفة أخرى لنفسه.
(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ)
أو كما قال تعالى في سورة البقرة : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (١) ، لأنّ المتقي وحده الذي يرتفع بنفسه وعقله إلى مستوى فهم آياته ، وهو وحده الذي يخشى ربه فيلزم نفسه ما في كتابه من الحدود والأحكام والقيم لكي لا يتعرض لغضبه وعذابه ، وهم وحدهم الذين يملكون الاستعداد للتسليم له ، لأنّهم يحافظون على فطرتهم سليمة كما أودعها الله فيهم ، فإذا بهم يجدون آياته تلتقي بتطلعاتهم السامية في الحياة. ويتأكد لنا بأنّ القرآن تذكرة للمتقين إذا عرفنا أنّ التقوى ليست مجرد الخشية والخوف .. إنّما هي مجموعة من الصفات النفسية والعقلية والاجتماعية التي تجعل الإنسان في مستوى التذكر بالآيات وفهمها .. فالمتقون كما وصفهم ربهم : «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (٢) ، فالذي لا يؤمن بالغيب كيف يؤمن بالرسالة التي مصدرها غيب السموات والأرض؟ والذي لا يؤمن بالجزاء كيف يلتزم بها؟
إنّ هذه الآية تهدينا إلى إحدى خصائص الوحي الإلهي المتميّز بها عن الأفكار الأخرى والفلسفات ، وهي أنّه لا يستطيع التفاعل معه وفهمه إلّا المتقون فقط ، فإذا به (شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٣) ،
__________________
(١) البقرة / ٣.
(٢) المصدر / ٣ ـ ٤.
(٣) الإسراء / ٨٢.