ومن هنا نكتشف خلفية تأويل الإمام الصادق ـ عليه السلام ـ للآية في الإمام علي بن أبي طالب أنّه الذي يكون حسرة على الكافرين بقوله : «يعني عليّا» (١) ، فإنّ إمام الحق في كلّ أمّة جنبا إلى جنب القيم الإلهية حجّة الله على خلقه عند الحساب والجزاء حين يحشر كل أناس بإمامهم ، ممّا يجعله هو الآخر حسرة على الكافرين إذ يكون شاهدا وحجّة عليهم.
(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ)
أي حق يفرض نفسه على الإنسان فيصبح موقنا به ، فهو حق في عالم الواقع ويقين في عالم النفس. قال صاحب الكشّاف : إنّ القرآن اليقين حق اليقين ، كقولك هو العالم حق العالم ، وحدّ العالم ، والمعنى لعين اليقين ومحض اليقين (٢) ، وقال الرازي : أي حق لا بطلان فيه ، ويقين لا ريب فيه (٣) ، ويأتي التأكيد على هذه الصفة القرآنية في سياق نفي الشعر والكهانة عن آياته كتعريض من طرف خفيّ بالإثنين الأخيرين اللذين ملؤهما الخيال والكذب والرجم بالغيب ، وهذه من المفارقات الأساسية بين رسالة الله وثقافة الشعراء والكهنة ، أنّها تحتوي على الحق والعلم بأعلى درجاته (اليقين) من دونهما حيث ينطويان على التناقض والباطل وحيث يعتريهما الخواء الفكري والعلمي.
ونهتدي من نعت القرآن بأنّه «لَحَقُّ الْيَقِينِ» أنّ انتهاج القرآن هو الشرط الأساسي في مسيرة الإنسان نحو اليقين إيمانا وعلما ، وأنّه الواجب الذي يفرض نفسه على العقل حينما يتطلع إلى الكمال المعنوي والمادي باليقين ، أي أنّ الإنسان يبقى في حيرة وشك لا يصل إلى الإيمان التام ليس بالحقائق العلمية والحياتية وحسب ،
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤١٠.
(٢) الكشّاف / ج ٤ ص ٦٠٧.
(٣) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ١٢٠.