بل بأصل الوجود ، وجود نفسه والكون من حوله بكلّ مفرداته ، حتى يكتمل نور عقله بنور وحي الله ، لأنّه الذي يعرّفه بالخالق الموجد ، ويرتقي به إلى آفاق اليقين به ، فتنكشف عن بصره وبصيرته الحجب والأغطية ، وتنزاح الغشاوة .. إذ لا معنى للإيمان بالمخلوق (ماديّا كالإنسان والطبيعة ، أو معنويّا كالحقائق والقوانين) إلّا بعد الإيمان بالخالق ، وذلك ما يحقّقه اتّباع القرآن.
ونقف قليلا ننعم الفكر في حكمة الحديث عن القرآن بهذا التعبير : (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) في سياق سورة الحاقة التي تحدّثنا عن الجزاء.
إنّ نقطة التلاقي بين الحاقة والقرآن تكمن في أنّ كلّا منهما يحقّ الحقّ ويظهره ، ويهدي الإنسان إليه ، ويرفعه إلى أعلى درجات الإيمان والتسليم (حقّ اليقين) ، ولكن يبقى القرآن هو الوسيلة العظمى والأقوم للهداية ، أعظم حتى من الحاقة نفسها ، لأنّه يهدينا في الدنيا والآخرة حيث تنفع الهداية ، بل هو طريقنا للإيمان بالساعة والقيامة (الحاقة).
ولكي نفهم القرآن فهما صحيحا ، فنؤمن به ، ويكون لنا تذكرة وسبيلا إلى اليقين الخالص ، يجب أن نتطهر من الشرك بالله عبر تسبيحه ، لأنّ كلّ انحراف في حياة الإنسان مظهر من مظاهر الشرك وظلال له ، وكلّما سبّح ربه أكثر فأكثر تسبيحا سليما كلّما تميّزت في نفسه وفكره حقائق الوحي عن وساوس النفس ، وإلقاءات الشيطان ، ثم أنّ التسبيح هو الوسيلة لاجتناب القوارع الإلهية في الدنيا والابتعاد عن أصحاب الشمال في الآخرة.
(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)
وقال «بِاسْمِ رَبِّكَ» لأنّه السبيل لتسبيحه تعالى ، إذ لا يجد الإنسان وسيلة للاتصال بربه لو لا أسماؤه. وقال : «العظيم» بالذات لأسباب منها :