أحدهما ويفعل الآخر (١).
وفي التفسير الكبير : قال القاضي قوله تعالى : «الآية» نظير لقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) وليس المراد أنّه مخلوق على هذا الوصف ، والدليل عليه أنّ تعالى ذمّه عليه ، والله تعالى لا يذم فعله ، ولأنّه تعالى استثنى المؤمنين الذين جاهدوا أنفسهم في ترك هذه الخصلة المذمومة ، ولو كانت هذه الخصلة ضرورية حاصلة بخلق الله تعالى لما قدروا على تركها (٢) ، وعلّق الفخر الرازي مفصّلا بأنّ الهلع واقع على أمرين : أحدهما نفسي باطن ، والآخر فعلي ظاهر ، وهو يدل على ما خفي .. وقال : أمّا تلك الحالة النفسانية فلا شك أنّها تحدث بخلق الله تعالى ، فهي مخلوقة على سبيل الاضطرار (والجبر) ، والأفعال الظاهرة من القول والفعل يمكنه تركها والإقدام عليها ، فهي أمور اختيارية (٣).
والظاهر أنّ صفة الهلع صفة ذاتية مركوزة في الطبائع الأولية للإنسان ، وإنّما يبيّنها الله ويذمّها لكي يعرّفنا بها ويحذّرنا منها فنجتنبها ، وليس في ذلك شيء من الجبر لأنّ الله سبحانه قد خلق الإنسان في أحسن تقويم إلّا أنّ ذاته المرتكزة في الجهل والجهالة والضعف والعجلة وما أشبه لم تتغيّر. أرأيت الذي يشعل شمعة في الليل فتضيء ما حولها يحمد عليها ولا يذمّ على الظلام المحيط لأنّه ليس من صنعه ، وهكذا تركّب الإنسان من صنفين : النور (من الله) والظلام (من نفسه) ، قال ربنا سبحانه : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٤) ، وسائر ما في الإنسان من جوانب القوة والضعف والخير والشر فإنّما هي ظلال لهذين
__________________
(١) التبيان / ج ١٠ ـ ص ١٢١.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٢٨ ـ ١٢٩.
(٣) المصدر / ١٢٩ بتصرف.
(٤) النساء / ٧٩.