الصنفين ، إلّا أنّ على الإنسان أن يسعى جاهدا للتغلّب على الظلام وظلاله في نفسه ، وتنمية النور ، وإشعاعاته ، والهلع واحد من ظلال الظلام الذي يجب أن يتغلّب عليه بسعيه وعزم إرادته.
والله تعالى عرّف البشر كوامن نفسه شرها وخيرها ، وأعطاه إرادة الإختيار التي يتجاوز بها صفات السوء وطبائعه إن شاء أو يسترسل معها ، ورسم له المنهج الذي يسلم بتطبيقه منها. فما هو المنهج القرآني لعلاج صفة الهلع عند الإنسان؟
أولا : حضور الآخرة في وعيه نفسيّا وفكريّا ، فإنّ من يتذكر أهوالها ومشاهدها لا يجزعه من الدنيا شر بالغ ما بلغ ، لأنّه يكون أبدا مشغولا عنه بذلك الشرّ المستطير ، بل تراه يعيش السكينة والاطمئنان كالمؤمنين : (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، كما لا يبطره خير فيمنع خشية العذاب وطمعا في الثواب .. ولعل هذه الفكرة تفسر لنا العلاقة بين الحديث عن مشاهد القيامة (الآيات ٨) وبين الحديث عن الإنسان (١٩ ـ ٢١). والمستقرئ للآيات القرآنية يجد أنّ الوحي ما يكاد يحدّثنا عن صفات الإنسان السلبية إلّا ويمهّد لذلك بالحديث عن الآخرة ، أو يلحقه بالتذكير بها ، لأنّه علاج ناجح لها.
[٢٢ ـ ٣٥] ثانيا : الصلاة التي هي معراج المؤمنين إلى الفضيلة ، ووسيلتهم للتزكية والتربية الذاتية. أوليست هي الوسيلة التي دعانا الله أن نبتغيها إليه؟ أوليست هي حبل الله وسفينة نجاة الإنسان من الباطل والشر؟ .. بلى. ولكن يجب أن نفهم الصلاة ونقيمها بشروطها كما يبيّنها القرآن حتى نخلص من صفة الهلع وسائر الصفات السيئة ، ونعرج بأنفسنا روحيّا وسلوكيّا إلى آفاق الكمال والفضيلة ، فإنّ الإنسان كإنسان متورّط في الهلع.
(إِلَّا الْمُصَلِّينَ)