ونهتدي من قوله : (يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) إلى أنّ أعمالهم الصالحة مصداق إيمانهم بالآخرة ، فلا يعملون رياء أو سمعة ، أو أشرا أو بطرا ، أو استعلاء في الأرض. كما نستوحي من ذلك أنّ يوم الدين هو العامل الرئيسي الذي به يصدّقون ويندفعون إلى الأعمال الصالحة. أترى لو كفر أحد بالجزاء ماذا يدفعه إلى التصدّق والإنفاق والتضحيات؟ لا شيء ، ولهذا فإنّ توقّف مسيرة الإحسان والعطاء عند الكفرة سببه كفرهم بالآخرة.
وحيث اعتبر القرآن التصديق بالآخرة صفة أساسية عند المصلّين حقّا فلأنّهم عند ما يقومون إلى الصلاة يعيشون بوعيهم الإيماني ظواهر الآخرة وأحداثها الفظيعة. وما هي قيمة الصلاة إذا لم يكن المصلي حاضرا بروحه وبصيرته في الآخرة عند أدائها؟
وإيمانهم بالآخرة له دور أساسي وكبير في حياتهم إيمانا وتفكيرا وعملا ، فهو مقياسهم في القضايا المختلفة ، فلا يقربون الذنوب خشية الخزي والعذاب يومئذ ، ويستزيدون من عمل الصالحات طمعا في الفوز بالجنة ورضوان الله ، ولا يجزعون عند البأساء والضراء لأنّ الشر الحقيقي ليس الفقر ولا فقدان الأحبة ولا المرض إنّما هو عذاب الله وسخطه ، ولا يمنعون عند الخير برّهم عن أحد طمعا في الخير العظيم عند لقاء الله. وبعبارة : إنّ الإنسان لا يمكن له الثبات ، بل يبقى هلعا متقلّب الشخصية حتى يؤمن بالآخرة ، لأنّ ذلك وحده الذي يعطيه الاطمئنان إذ يشبع تطلّعاته الفطرية ، ويشعره بأنّه يسير نحو مستقبل أفضل وأنبل.
الرابعة : الخوف من عذاب الله.
(وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ)
في التبيان : الإشفاق رقّة القلب عن تحمّل ما يخاف من الأمر ، فإذا قسى قلب