الإنسان بطل الإشفاق ، وقيل : من أشفق من عذاب الله لم يتعدّ له حدا ولم يضيع له قرضا (١) ، وخوفهم في الحقيقة ليس من شدة العذاب بقدر ما هو خوف من سخط الله ، لأنّ فراق رضوان الله أعمق وأشدّ ألما من ألسنة النيران.
إنّ المصلين الحقيقيين يفترضون أنفسهم في النار ، وينطلقون من ذلك بالجدّ والاجتهاد والسعي الحثيث لإنقاذ أنفسهم منها ، وإنّما لا يفترضون أنفسهم في الجنة لكي لا يستبدّ بهم الغرور فيركنون إلى الراحة والدّعة ، ولكي لا يعيشوا في ظلّ خرافة الشرك أو أمنية الشفاعة المحتومة على الله تعالى سبحانه أو حلم الأعمال الصالحة التي لا يعرفون مدى قبولها من عند الله ، فهم لا يعطون لها الأمان بالاعتقاد الخاطئ أنّ الله لا يعذّبهم ، ولا بالاتكال اغترارا على أعمالهم ، ولا بالفهم السيء للشفاعة.
(إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ)
وتأكيد هذه الحقيقة من قبل الله يأتي في سياق المنهج التربوي للقرآن ، فإنّ من لا يأمن العذاب لا يسمح لنفسه بالغفلة ، وضياع الفرصة ، كما أنّه يتحرك في بعدين : بعد اجتناب الذنوب التي جزاؤها العذاب ، والثاني : بعد العمل الصالح الذي يقرّب العبد إلى الله ، وينجيه من غضبه ، ويقرّبه من الأمان الحقيقي من عذابه.
إنّ الذي يأمن مكر الله وعذابه أو يكفر به ويكذّب كأولئك الذين بلغ كفرهم بوعد الله حدّ الاستهزاء والتحدي بالسؤال عن العذاب ؛ إنّ هذا الإنسان لا يتحسس المسؤولية ، ومن ثمّ يخوض ويلعب ، وقد يعتمد على التمنّيات فيودّ لو يفتدي
__________________
(١) التبيان / ج ١٠ ـ ص ١٢٤.