بمظهرها وكيفيتها (يعني الصلاة المتعارفة) ، وقد قدّم الله تلك الصفات للتأكيد بأنّها الجوهر والأهم في الصلاة ، لأنّها المحتوى والصلاة إطارها ، وهي القيم والصلاة مقامها ، وهي النور والصلاة مشكاتها ، وينبغي لكلّ مقبل على الصلاة أن يضعها نصب عينيه قبلها وبعد أدائها ، ويسعى للالتزام بها إلى جانب التزامه بمظاهر الصلاة. قال صاحب المجمع : أي يحفظون أوقاتها وأركانها فيؤدّونها بتمامها ، ولا يضيعون شيئا منها (١) ، وقال الرازي : ومحافظتهم عليها ترجع إلى الاهتمام بحالها حتى يؤتى بها على أكمل وجه (٢). ولا يمكن لأحد أن يحفظ صلاته من الفساد حتى يلتزم بشروطها فلا يقتحم الفواحش والمنكرات ، لأنّها تبطل أجرها ، وتمنع قبول الله لها من أحد.
ما هو أجر المصلين الحقيقيين الذين تقدّمت صفاتهم؟ يقول ربّنا :
(أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ)
كرامة حقيقية تتمثل في القرب من الله ، وكرامة ظاهرة في نعيم الجنّات ، وفي هذه الآية تسكين لروعتهم من العذاب ، وتأمين لهم بأنّه بعيد عنهم. وجزاؤهم هذا نقيض جزاء الكافرين الذين تخشع أبصارهم ، وترهقهم ذلّة وإهانة.
وفي نهاية سردنا لصفات المصلين في مفهوم القرآن نسجل هاتين الفكرتين :
١ ـ إنّ التعبير يكون صحيحا لو قال الله عند كلّ صفة (الذين) من غير إلحاق للضمير المنفصل «هم» بالكلام ، ولكنّه أثبته تعالى لغرض التأكيد أوّلا ، ولبيان أنّ صفاتهم ليست عرضيّة ، بل هي سجايا وملكات دافعهم إليها مرتكز في أنفسهم ،
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ـ ص ٣٥٧.
(٢) التفسير الكبير / ج ٣٠ ـ ص ١٢٩.