والآية تشير الى ان الأمم تسير عبر دورة حضارية ، ففي البدء يكونون على فطرة الإيمان والاستقامة ثم ينحرفون ، وعند منعطف خطير من حياتهم وبالضبط عند الانحدار القاتل يبعث الرسل والمصلحون لكي يوقفوا مسيرة السقوط ، ولذلك يبدأ الأنبياء في الغالب بالإنذار باعتبارهم يرسلون الى قوم ضلوا وانحرفوا ليحذرونهم مغبة استمرارهم في الضلال.
(أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)
لأن العذاب لا يأتي من الفراغ ، بل هو سنّة إلهية وقانون تكويني له أسبابه ومبرراته التي يستطيع الإنسان بإزالتها تلافيه والنجاة منه ، ولهذا فان الاستجابة للإنذار تنفع ما دام العذاب لم يحن أجله ، حيث الفرصة لا تزال قائمة ، يمكن فيها الإصلاح والتغيير.
ومعرفتنا بخلفيات انبعاث الرسل في الأمم المختلفة وأهدافهم .. وبالذات انهم ينهضون للتغيير ويتصدون لقيادة الإصلاح حينما تتردى أوضاع المجتمعات وتسير الى العذاب إنّ ذلك يحملنا بالتأكيد مسئولية التصدي للتغيير إذا كنا نريد اتباع الأنبياء ومواصلة مسيرتهم ، وإذا كنا نريد للناس الخير والصلاح. بلى. ان النبوة سمة غيبية يختص بها الله من يشاء من عباده ، ولكن الرسالة أمانة ومسئولية يمكن لأي إنسان ان يرتفع الى مستوى حملها والتصدي لها ، فيكون قائدا رساليا بالتزام الحق ، واتباع النهج الإلهي الذي مشى على هداه الأنبياء والرسل عليهم السلام.
[٢ ـ ٤] إنّ أحدا لا يستطيع أن يدعي العصمة ، أو حضور جبرئيل عنده ، ولا حتى بلوغ درجة الأنبياء ، ولكن يستطيع أن يحمل رسالة الله الى قومه ، إذن فللرسالة وجهان : وجه خاص يتفرد به من اصطفاهم لوحيه مباشرة ، ووجه عام يتسع لاتباعهم والسائرين على نهجهم وخطاهم ، فما هو نهج الأنبياء في ضلوعهم