تحمل ذلك استجابة للمسؤولية الإلهية ، إذ أمره الله بإنذار قومه ، وإذ يدعوه ضميره الى القيام بذلك الدور الحضاري الهام ، وحيث نهض ينذر قومه اعتمد الأسلوب الواضح والبليغ ، إيمانا منه بأن حقانية الدعوة وحدها لا تكفي بل لا بد حتى يستجيب الناس لها ان يكون الإنذار بها بيّنا ، يمتاز به الحق عن الباطل وتقوم الحجة ، وقد اعطى ذلك بصيرة واضحة لمن قد يطلع على عاقبة قومه بان عدم استجابتهم لم يكن بسبب الغموض في البيان ، ومن ثم فإنهم لا يستحقون ما حل بساحتهم من العذاب.
ومن تكرار كلمة القوم ثلاث مرات في هاتين الآيتين الى قومه ، انذر قومك ، يا قوم» نهتدي إلى فكرة مهمة وهي : أن الإنسان الفرد مسئول عن قومه ومجتمعة ، كما أنهم مسئولون عنه ، ولا يجوز لأحد أن يعيش فردا لا يبالي بغيره ، وأنّ الفرد قادر على الخروج عن سياق المجتمع الفاسد وتحدي الانحراف ، وأنّ نوحا بوقفته الرسالية الشجاعة لآية على بطلان حتمية التوافق الاجتماعي.
ثانيا : تشخيص أسس الواقع المنحرف وطرح البدائل الصالحة :
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)
وبهذه الجملة حدد نوح عليه السلام معالم النظام القائم والنظام البديل معا (ثقافيا واجتماعيا وسياسيا) فإن الآية تهدينا إلى البصائر التالية : الاولى : الى انحراف المجتمع (كفرا وشركا وفسادا) ومشكلة الإنسان (فردا ومجتمعا) ليست الجهل بالخالق من الأساس ، بل هي في الدرجة الأولى عدم الخضوع لإرادته ، وتلقي القيم من لدنه ، ولقد كان مجتمع النبي نوح (ع) متورطا بالفعل في الوثنية والشرك بتصريح الآية الكريمة : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) وما أكثر ما يؤدي اليه الانحراف المبدئي عن عبادة الله والتوحيد من تعويق