لمسيرة الإنسان نحو الرقي والتحضر الحقيقي ، ومن ضلال كبير في الحياة وبالذات في جانبها الروحي والاخلاقي والثقافي ، مما يجعله عاجزا عن الوصول الى أهدافه وطموحاته الحقيقية التي لا يبلغها أحد الّا بعبادة ربه. الثانية : ان المجتمع يومئذ لم يكن ضالّا عن المبادئ الأولية وحسب ، بل كان بعيدا عن ربه حتى في التفاصيل العملية لمفردات الحياة ، إذ لم يكن يخشى الله ويتقيه ، وذلك يعني انفلاته من كل الضوابط ، واسترساله مع الهوى ، حيث أن ضمانة الالتزام بالقيم الانسانية والدينية على السواء مرهونة بمدى التقوى عند الفرد والمجتمع.
كما تكشف لنا الكلمة الأخيرة (وَأَطِيعُونِ) عن وجود الفساد في النظام السياسي ومن ثم الاجتماعي ، باعتبار أن النظام السياسي إطار للنظام الاجتماعي وسائر النظم ، والمتدبر موضوعيّا فيما ورد عن قوم نوح من آيات القرآن يجد فيها بيانا واضحا لطبيعة القيادة السياسية والاجتماعية ، والتي ترمز بدورها الى الانحراف المبدئي والعملي ، فهي لم تكن قائمة على أساس الكفاءة ، إنما على أساس الأموال والأتباع ، الأمر الذي قسم المجتمع الى طبقتين : الاولى : طبقة المترفين الحاكمين ، والأخرى : طبقة المعدمين (الأراذل بتعبير المترفين) ولا ريب أن القيادة في أيّ مجتمع رمز لقيمة الواقعية ، ومن المعالم الاساسية لمسيرته.
وحيث رأى نوح ـ عليه السلام ـ الوضع المتخلف والفاسد عقد العزم على تغييره ، فجعل خطوته الأولى تشخيص العوامل الأساسية للانحراف باعتباره المصلح وبيانها للناس ، وواضح للمتدبر ، أنه لم تخدعه المظاهر والنتائج ، انما توجه الى الجذور الأولية ، لأن علاجها هو النهج السليم لعلاج الأعراض والظواهر التي لا تعدو كونها مجرد نتائج لها ، وهذه من أهم خصائص الحركات الرسالية.
ومع أننا نقرأ في الآية معالم الوضع القائم إلا أن الظاهر منها هو الإشارة الى