التقية ليست أسلوبا ثابتا الى الأبد ؛ لان الحركة الرسالية حركة واقعية ، فقد لا تعلن الدعوة لأن الظروف السياسية والاجتماعية والتربوية لا تسمح بذلك.
وقد احتار المفسرون في التفريق بين الجهار والإعلان ، والذي يبدو : ان الجهار يعني التصريح الواضح والمباشر بأفكار الدعوة وقيمها للناس ، وقد تكون هذه العملية محدودة فيمن يتصل بهم الرساليون اتصالا خاصا ، فالقيم الرسالية كالتغيير الجذري والكفاح المسلح أمر صعب ومستصعب لا يتحمله الناس من البداية مما يضطر الداعية الرسالي الى الارتقاء بهم نفسيا وفكريا حتى يتسنى له مجاهرتهم ببعض الأمور ، فليس صحيح مثلا ان يفهم الفرد أنه في تنظيم ثوري رسالي من أول لقاء بل لا بد من إيصاله الى هذه الحقيقة شيئا فشيئا لكي يمكن مصارحته بها واستيعابه لها. أو أن الجهر مرحلة بين الكتمان والإعلان فليست سرية مائة في المائة ولا العكس ، أما الإعلان فهو أشبه ما يكون بالإعلام ـ حسب المصطلح الحديث ـ أي الطرح الجماهيري السافر للدعوة الرسالية ، وقوله في الأخير : «وأسررت» يدلنا على ان هذه المراحل والتكتيكات ليست ذات مراتب حتمية (اسرار ، ثم إجهار ، ثم إعلان) كلا .. وإنما هي معطيات يمليها الواقع ، فقد ينتقل العمل الرسالي من الإعلان الى الكتمان الشديد مباشرة لسبب من الأسباب.
ومع هذه التغيرات الظاهرية تبقى الاستراتيجيات المحورية واحدة وثابتة ؛ إنها دعوة الناس الى العودة الى الله ، والترغيب في معطيات الإيمان ، واتباع الرسالة ، والتحريض على نبذ الأنداد الموهومين من دونه عز وجل.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً)
أي دعاهم الى الاستغفار ، وطمأنهم بأن الغفران صفة الله الرحمن ، ولا ريب ان المعنى من الاستغفار ليس مجرد القول : استغفر الله ، انما هو الندم على الخطايا في