تستوعب المياه وتقلّها للشاربين إنسا وحيوانات ، وسقاء للجنات والأشجار والمزارع ، وثابت علميا وعمليا ان وجود الأنهار من العوامل الحضارية الأساسية ، لأنه سبب الزراعة التي هي بدورها من مظاهر الحضارات ومقوماتها ، والجنات والأنهار يشبع كلاهما حاجات مادية ومعنوية عند الإنسان. ولا ريب أن الجعل هنا لا يتم عن طريق المعجزة بحيث تتنزل الجنات من السماء بأشجارها وأثمارها أو تزداد الأموال والأولاد بعوامل غيبية مجردة ، انما تحدث البركة وتكون الحضارة بعاملين (سعي الإنسان الذي قمّته ورمزه الاستغفار+ بركة الله وفضله) ونحن يجب ان نقرأ في ثنايا دعوة نوح ـ عليه السلام ـ حينما قال (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) كل عوامل التقدم والترقي من سعي وإتقان وجد .. أو ليس الاستغفار غاية سعي الإنسان نحو الفضيلة والكرامة؟! أو ليس يعني تجنب الأخطاء ، والسير على المنهج القويم؟ وكما ان الاستغفار يجلب الخير والتقدم للأمم فإن الذنوب تسلبهما ، وتصير بها الى الشر والتخلف ، ويبدو من سياق الآيات ومن الأحاديث : أن قوم نوح أصيبوا بنقص في الأموال والأنفس والثمرات. بل أنضب ماؤهم ، فجاءت دعوة النبي نوح ـ عليه السلام ـ بهدف إصلاح مسيرتهم وانتشالهم من حضيض هذه المشاكل إلى آفاق البركة والرفاه ، قال العلامة الطباطبائي معلقا على هذا السياق : أي أن هناك ارتباطا بين صلاح المجتمع الانساني وفساده وبين الأوضاع العامة الكونية المربوطة بالحياة الانسانية ، وطيب عيشه ونكده (١) والى ذلك أشار الفخر الرازي مستدلا بقول الله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) (٢) وبقوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٣).
__________________
(١) الميزان ج ٢٠ ص ٣٠
(٢) الروم ٤١
(٣) الشورى ٣٠